المنشقون السوريون يكتسبون جرأة رغم الانتكاسات
ربما يكون المنشقون السوريون قد تقهقروا من ضواحي دمشق بعد أن صدتهم قوات الرئيس بشار الاسد، لكنهم اكتسبوا جرأة من خلال السيطرة على أراض، وقد يأمل البعض أن يغري هذا قوات أجنبية بالتدخل للمساعدة.
وفي مقابلات أجرتها «رويترز» هذا الأسبوع من خلال خطوط هاتفية ووصلات انترنت رديئة من مواقع غير معلومة على الخط الامامي، بدت القوات المنشقة متفائلة على الرغم مما وصفته بـ«الانسحاب التكتيكي» من على أعتاب دمشق والقصف العنيف الذي قامت به قوات المدفعية التابعة للاسد على المقاتلين في الشمال.
والجيش السوري الحر شبكة فضفاضة من وحدات محلية تكونت من منشقين عن صفوف القوات الحكومية وانضم لها متطوعون مسلحون ويقودها، ولو من حيث المبدأ، ضباط منشقون كبار فروا الى تركيا. وبعد عشرة اشهر من بدء الانتفاضة التي تحدت حكم عائلة الاسد الممتد منذ 42 عاماً لا تزال موارد الجيش السوري الحر محدودة.
ولا يتوقع كثيرون من قادته، ناهيك عن الخبراء الدوليين، أن يحقق انتصاراً سريعاً بدون تغير هائل على أرض الواقع مثل انهيار الدعم بين كبار قادة الجيش الذين لا يزالون مؤيدين للاسد، في حين يبدو احتمال التدخل الخارجي بعيدا.
غير أن السيطرة على جيب جبلي استراتيجي هذا الاسبوع على الحدود مع لبنان وما تبعه من تحد عنيف على مدى أيام في ضواحي العاصمة نفسها طرحا الحديث بين بعض قادة الجيش السوري الحر عن «تحرير» الاراضي مثلما فعل معارضو الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي في شرق بلادهم.
وقال مقدم سابق في جيش الاسد يستخدم اسماً مستعاراً هو ابو ثائر عبر الهاتف لـ«رويترز»، من موقع غير معلوم، «نحتاج الى أن نصنع بنغازي الخاصة بنا» في اشارة الى عاصمة المعارضة الليبية المسلحة خلال الانتفاضة التي كللت بالنجاح في نهاية المطاف هناك. وأضاف “لو كانت هناك منطقة عازلة او منطقة حظر جوي لحدثت سلسلة من الانشقاقات بالجيش. لكانت الصورة تغيرت 180 درجة”.
ويرى بعض المراقبين أن اقتراب الجيش السوري الحر من العاصمة السورية أكسبه مصداقية جديدة.
وقال اندرو تابلر من معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى عن الجيش السوري الحر “يزداد قوة ويتحول الى جزء أقوى في المعارضة وقوة حقيقية على الارض. هذا لا يعني أنه قادر على اسقاط الدولة لكنه يتحداها بالتأكيد”.
وضاق المنشقون ذرعاً بالوعود بتقديم الدعم المعنوي من دول حلف شمال الاطلسي بما في ذلك تركيا التي من غير المرجح فيما يبدو أن تتحول الى مساعدة ملموسة عما قريب. وقال مقاتل في العشرينات من عمره تحدث من الزبداني، وهي بلدة جبلية على طريق التهريب القديم الى لبنان، حيث أجبر قادة الجيش السوري الحر القوات الحكومية على القبول بهدنة والانسحاب الاسبوع الماضي، “إن شاء الله سنحرر المزيد من الاراضي لان المجتمع الدولي لم يقدم الا تحركاً متأخراً وتهديدات جوفاء”. وقال مقدم آخر يتنقل بين ادلب في الشمال وتركيا “يجب أن نكون مستعدين للقيام بهذا في بلادنا، على الرغم من مواردنا الاضعف، فاننا نعتقد أن قوة العدالة ستسود”.
من جهته، حرص ماهر اسماعيل النعيمي، المتحدث باسم القيادة العليا للجيش السوري الحر ومقرها تركيا، على التخفيف من فورة الحماس. وقال إن الهدف الاساسي للجيش السوري الحر لا يزال تعطيل قدرة القوات الحكومية على الاعتداء على المدنيين وليس خوض صراع حتى النهاية ضد جيش الاسد الذي ربما يفوق الجيش السوري الحر عدداً ولو على الورق بما يزيد عن عشرة لواحد.
وأكد على أن الحديث عن الزبداني او غيرها من المناطق كـ«أرض محررة» هو “سوء فهم”. وقال انه ليست هناك سيطرة عسكرية كاملة على منطقة بعينها. وأضاف أن القوات المنشقة استطاعت الحفاظ على قدرتها على صد قوات النظام لكن الجيش السوري الحر لا يستطيع السيطرة على منطقة بكاملها بحيث تعتبر مغلقة تماماً. ومضى يقول إن القوات المنشقة تفتقر الى الذخيرة بينما القوات الحكومية لديها المدافع الثقيلة والطائرات. وأضاف أن الجيش السوري الحر لديه أسلحة خفيفة وليس لديه خط امداد ثابت خارج المنطقة.
وأشار الى أن هدف الجيش السوري الحر في الوقت الحالي هو تخفيف سيطرة الحكومة على المناطق وليس فرض سيطرته عليها. ولا تزال القوات الحكومية متفوقة على الجيش السوري الحر في العدد والعتاد. وكانت علاقة تحالف الحركات المعارضة- التي انضوت تحت لواء المجلس الوطني السوري المعارض- بالجيش السوري الحر عن بعد لكن المجلس الوطني يريد الآن التنسيق معه عن كثب ويقدر أن عدد افراده يتراوح بين 20 و30 ألفاً. ويبلغ قوام القوات الحكومية نحو 300 الف فرد غير أن ولاءات كثيرين ربما تكون على المحك. وفيما يتعلق بالاسلحة يعتمد المقاتلون على الجنود المنشقين والاغارة على مخازن أسلحة وتهريب من مؤيدين في الخارج.
ووسط أجواء الخوف وسفك الدماء يخشى بعض المقاتلين المعارضين من أن تستدرجهم القوات الحكومية، بل ربما تسمح لهم بتحقيق انتصارات صغيرة في اطار خدعة لجرهم الى الخلاء. وقال المقاتل المعارض من الزبداني “هناك مناطق قليلة جداً شبه محررة، لكننا لن نتحدى النظام بلا سبب. إنه مثل الكلب اذا جذبت ذيله فسيأتي وراءك يعوي”.
وقال ابو ثائر المتخصص في الشؤون اللوجيستية بالجيش السوري الحر ان مقاتلي المعارضة يحافظون على قربهم من الحدود السورية حتى لا تتم محاصرتهم. وأضاف قائلاً عن المدينة الجنوبية التي اندلعت فيها الانتفاضة في آذار/ مارس الماضي “نحتاج الى حماية ظهرنا. اذا اخترنا درعا لن تكون هناك اي قوات سورية وراءنا من الاردن”. وعلى الرغم من نجاحاتهم في الزبداني فانه يعتقد أن توسيع معقلهم على الحدود اللبنانية غير مرجح بسبب ارتباط سوريا بعلاقات وثيقة مع حزب الله اللبناني. وقال “يمكن أن نختار جبل الزاوية في محافظة ادلب حيث تكون وراءنا تركيا. لن نتعرض لهجوم من هناك على الارجح”.
وقال المقدم من الجيش السوري الحر الذي يمارس نشاطه في ادلب إن 700 رجل كانوا تحت قيادته داخل المدينة لكن لم تتوفر لهم الاسلحة ليتحدّوا قوات الامن. وأضاف «قوات ادلب هي الاقوى من حيث القوة البشرية» مقارنة بمجموعات مقاتلي المعارضة الاخرى. وقال “لكنهم الاضعف من حيث السلاح لان تركيا لم تسمح بدخول اسلحة كثيرة ونشتري معظمها من جنود داخل سوريا”.
وقال مقاتلون بالمعارضة لـ”رويترز” انهم يدخلون المزيد من الاموال والاسلحة من خلال لبنان يمدهم بها ممولون رفضوا الكشف عن اسمائهم.
وقدر مهرب يعمل لصالح الجيش السوري الحر من داخل لبنان أن فريقه يرسل نحو 100 الف دولار نقداً لمدينة حمص المضطربة شهرياً. وقال إنه غير متأكد مما اذا كان المقاتلون يتلقون تمويلاً سوى هذا من خلال طرق أخرى.
وقالت المتحدثة باسم المجلس الوطني السوري المعارض، بسمة قضماني، إن المجلس الذي حصل على نوع من الاعتراف به كبديل للاسد ويريد حلاً سلمياً لن يسلح الجيش السوري الحر لكنه سيبحث تمويله.
وأضافت “هم بحاجة الى معدات اتصال وسترات واقية من الرصاص ومعدات غير هجومية لتحقيق اندماجهم مع بعضهم البعض”.
ومن الواضح أن الغرب لا يزال مترددا بشأن التدخل المباشر لصالح المعارضة لكن تابلر من معهد واشنطن قال «النقاش يتغير لان الدبلوماسية لا تأتي بنتائج». وأضاف “أعتقد أن كثيرين في مرحلة بحث التدخل، لكن السؤال هو كيف يتم تنفيذه؟”. ووصف تابلر الحديث عن «منطقة حرة» بأنه «غير واقعي» وقال ان المعارضة ستحتاج الى مدافع مضادة للدبابات وأسلحة ثقيلة أخرى “ثم قد تنشق جيوب متاخمة لدول مجاورة”.
لكن مقاتلي المعارضة غامروا بالتقدم نحو دمشق حتى وان تقهقروا بسرعة. وقال عمر وهو ناشط داع للديمقراطية من ضاحية سقبا بدمشق ان طعم «تحرر» ضاحيته الذي لم يدم طويلا هذا الشهر سيزيد الدعم للحركة المسلحة. وأضاف “زادوا أملنا وايماننا بالمعارضين. نؤمن بالله ونثق في الجيش السوري الحر”.