النشيد الوطني الجديد: «بلاد صهيون» و«فيلادلفيا» !

بقلم: يوسي هدار (عن “معاريف”)

تثبت الرسوم البيانية لبنيامين نتنياهو نفسها على مدى السنين بأنها رسوم بيانية عابثة، دراماتيكية، فاقعة، شعبوية، وأساساً كاذبة، بلا أي فعل عملي. هكذا كان، هذا الأسبوع، أيضا عندما هرع لعقد مؤتمر صحافي؛ فقط كي يبث لنا خريطة لقطاع غزة وكأننا أطفال في الصف الثاني، وليشرح للجمهور كم هو محور فيلادلفيا هو – هو صخرة وجودنا، وكم هو هذا المحور الرباني سيعيد المخطوفين. هكذا كان عمليا أيضا عندما عرض في الأمم المتحدة رسم القنبلة الشهير كي يحذرنا من النووي الإيراني.

في الحالتين تعد هذه ذرا للرماد في العيون دون أي صلة بالاستراتيجية وبالافعال، هاتان الحالتان هما اخفاق ذريع لنتنياهو. اثناء سنوات ولايته الطويلة جدا تقدمت ايران في برنامجها النووي، وأصبحت عملياً دولة عتبة نووية، فيما ان نتنياهو لا يفعل شيئاً إلا القول. وبالنسبة لمحور فيلادلفيا، هنا يدور الحديث عن مجرد ورقة تين لعرقلة الصفقة لاعادة المخطوفين، لأن نتنياهو يعرف بأنه في اللحظة التي تكون فيها صفقة مخطوفين تسقط حكومته، وتقام لجنة تحقيق رسمية تكشف مسؤوليته وذنبه عن الكارثة الكبرى التي وقعت لدولة إسرائيل، الكارثة التي يتحمل المسؤولية عنها بلا شك كبار مسؤولي الجيش أيضا.

قبل نحو أسبوعين كشف اللواء احتياط اسحق بريك، امامي، الخدعة الكبرى لمحور فيلادلفيا واظهر ان نتنياهو نفسه اتفق معه بان لا حل للمحور وان بقاء الجيش في المكان لن يمنع التهريب عبر الانفاق، وعليه فهذا ليس ذخراً استراتيجياً. فضلاً عن ذلك قال لي بريك ان نتنياهو اتفق معي بان الحل الوحيد هو ذاك الحائط في عمق الأرض الذي يمنع عبور انفاق من مصر الى غزة. بخلاف ما قاله لبريك، في المؤتمر الصحافي ذاته المليء بالأكاذيب؛ حيث ادعى نتنياهو بان التواجد في المحور حرج. يمكن أيضا التساؤل: اذا كان محور فيلادلفيا هو تهديد وجودي كما يعرضه نتنياهو، فلماذا على مدى 15 سنة من ولايته لم يتكبد عناء السيطرة عليه من جديد، ولماذا صوت مع فك الارتباط ست مرات. الآن يحاول ان يخلق عرضاً عابثاً آخر بموجبه كان حذر من اخلاء المستوطنات في قطاع غزة. وبعامة منذ مذبحة 7 تشرين الأول لماذا لم يسارع للسيطرة على محور المحاور منذ البداية بالتوازي مع المناورة في شمال غزة، اذا كان الحديث يدور عن تهديد وجودي حقا؟

كذبة بارزة أخرى لنتنياهو في المؤتمر الصحافي ذاته المعد سواء لعرقلة صفقة المخطوفين ام لارضاء القاعدة البيبية الكهانية، كانت عرض الأمور وكأن نتنياهو هو الذي يفعل كل شيء في صالح الصفقة، فيما ان “حماس” هي التي تعيقها. صحيح أن “حماس” منظمة “إرهابية”، “نازية”، و”إجرامية”، يجيب ابادتها وهي تضع المصاعب على المفاوضات لكن لسبب ما نسي نتنياهو 27 أيار، التاريخ الذي اقر فيه مع الكابنت المقترح الذي نال لشدة المفاجأة المصادقة شبه الكاملة من “حماس”. فزع نتنياهو، هكذا حسب التقارير، وسارع ليصدر وثيقة “الإيضاحات” التي جعلت المفاوضات عمليا تعلق. لاحقاً، بدلاً من ان يحاول ان يحقق أكبر قدر ممكن في الصفقة في الغرف المغلقة، اهتم بأن يجلب الى التصويت في الكابنت قراراً ضد الخروج من محور فيلادلفيا. والتتمة معروفة: ستة المخطوفين كانوا أحياء قبل بضعة أيام قتلوا بدم بارد. نعم “حماس” قتلتهم، لكن يمكن القول بالتأكيد لأن القرار ساهم بعرقلة المفاوضات، واليوم أيضا يعرض المخطوفين المتبقين للخطر.

حتى هنا عنينا بالحقيقة، لكن يقال ان الكذب يمكنه أن يجتاز نصف العالم بينما الحقيقة لا تزال تربط حذاءها، وهذا لشدة الأسف ما يحصل بين نتنياهو والمعارضة. حتى لو كان غانتس وآيزنكوت اقرب الى الحقيقة حيث اشارا الى جبن وتردد نتنياهو، فان كذبة نتنياهو تنجح على نحو أفضل. الى أن تعرف المعارضة كيف تتصدى لخطابية نتنياهو الكاذبة، والى ان تستبدل هذه الحكومة السيئة، والى أن يكون لإسرائيل استراتيجية سياسية وعسكرية، والى ان نعود الى القيم التي أقامت هذه الدولة الفاخرة مثل الشجاعة، الجرأة، الحكمة، الحقيقة والاستقامة، لن تكون لنا قائمة. في هذه الأثناء سنعيش على الكذب ونغني كلمات النشيد الوطني الجديد: بلاد صهيون وفيلادلفيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *