العيد والعولمة

نقطة على السطر

عيد أضحى مبارك للجميع.
تلعب الأعياد دوراً رئيسياً في دورة حياة الإنسان وهي ضرورية، مثل التنفس والتغذية. لذا تحتفل كافة المجتمعات، كل حسب نمط عاداتها، بأعياد تجد لها تبريرات أو روابط إما دينية، والأمثلة كثيرة، أو ذات علاقة بدورة المواسم الزراعية أو ظواهر الطبيعة وتقلباتها. في بعض الدول يبلغ عدد الأعياد، وإن لم يشارك بها الجميع، عدد أيام السنة، بينما تعيش مجتمعات بأعياد قليلة ومعدودة على أصابع يد واحدة، إلا أنه لا يوجد مجتمع واحد، حتى في المناطق النائية، لا يعرف العيد.
إذا العيد ضروري للإنسان.
تفسر الأعياد بأنها للراحة أو احتفالاً بذكرى أو تذكيراً بمعلم مهم في تاريخ المجتمع المعني. وتختلف مبررات الاحتفالات بالأعياد، إلا أن هدفها واحد وإن كان غير معلن. إن كل إنسان يدرك لا شعورياً حاجة العيد وهدف الاحتفال به ويمكن اختصارها بأنها «إعادة شحن طاقة الإنسان ليكمل مسار حياته اليومية».
في العيد يبتسم العجائز ويضحك الأطفال. في العيد يستريح الفلاح ويهدأ العامل. في العيد تمتلئ الشوارع والأزقة بصخب الأولاد وصراخهم يركضون بالثياب الجميلة الملونة. في العيد تنظر الأم والأب إلى فروع ذريتهما يتأملان في مستقبلها خيراً وتشطح معهما المخيلة بعيداً في أفق مضيء. في العيد يتبادل الشباب والشبات النظرات، فالعيد يوم سماح بشوش. العيد هو للهدايا وللتمنيات.
عيد الأضحى كما عيد الفطر يختلف في بلاد الغربة عما هو في الوطن. تغير المجتمعات يفرض تغييراً في العادات وهذا لا جدال فيه. تدخل فرحة العيد في الهجرة تحت قبة الخصوصية الطائفية، ويحترم هذه الخصوصية الجار والمحيط والمجتمع إلا أن الفرحة الجماعية منقوصة ومختصرة على «فضاء الطائفة الضيق». المشاركة محدودة ويصعب تفسير هذه «الفرحة الانطوائية» للصغار. ومن نافل القول إن غياب المشاركة وغياب التفسيرات الواضحة والمقنعة يزيد من «غرابة وضع العيد».
خبر صغير في نشرة الأخبار (١٥ ثانية) يعلم مواطني فرنسا بطريقة غير مباشرة  أن ١٠ في المئة من مواطنيهم يدخلون في «أكبر أعياد المسلمين»: صور للكعبة الشريفة وحولها أطياف بثياب الإحرام. ويقرأ المذيع إن مئات الألاف يطوفون حول الكعبة في المملكة العربية السعودية في نهاية موسم الحج إعلاناً بعيد «التضحية». وفي حال أراد التوسع يذكر بأن المسلمين يذبحون الخرفان في هذه المناسبة. وهذه السنة غابت برجيت باردو عن خبر العيد، فلا تصريحات نارية لها، فاهتماماتها تركت الخرفان وباتت تنصب على مصير الدلفين في البحر المتوسط.
غياب برجيت باردو لا يؤثر. ما يؤثر هو غياب تفاعل المجتمع المدني مع أعياد الطوائف الأخرى المكونة له، وليس فقط الطائفة المسلمة. يقول قائل إنها أعياد طائفية مغلقة، يقول آخر إنها أعياد لا فاعلات تجارية لها. في الواقع فإنها مسألة «قناعات». فقد شملت العولمة الاستهلاك والاستدانة والعجز والأزمات المالية كما نشرت عادات تتشارك بها الأمم والبقاع مثل إضاءة الشموع ووضع باقات الزهور في محيط الأحداث ومشاهدة المسلسلات التلفزيونية وحب الرياضة، وخصوصاً كرة القدم والتنس وسباق السيارات. إلا أن هذه العولمة تعجز حتى اليوم عن الوصول إلى القلوب والعقول لتقول أنها فتحت ممرات انتقال والتنقل (وليس هجرة) بين الدول وأن المجتمعات باتت مفتوحة للتنوع وأن المسألة ليست مسألة انصهار بل مسألة انفتاح… انفتاح متبادل.
هذا الانفتاح لا يخص فقط العيد الكبير وليس مطلوباً من فرنسا أو أوروبا فقط بل كافة الدول. سؤال بسيط يشرح مدى ضرورات الانفتاح: كيف يمضي السيريلانكيون أو التامول أو السيخ أعيادهم في الخليج و«ليس لهم كومبونات أو قواعد خاصة»؟
العيد مناسبة أيضاً للتفكير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *