مآسي التلامذة السوريين في لبنان
يدفع التلميذ السوري فاتورتين بدل الواحدة نتيجة الحرب التي تشهدها بلده، الأولى هي التشريد ومعاناته، والثانية هي ضريبة التعلّم التي أجبرت آلاف التلاميذ على العيش في غياهب الجهل نتيجة العوائق التي تحول دون التحاقهم بمدارس وفصول تعليمية ملائمة مادياً ومنهجياً.
يروي المدرّس السوري عمر مسلّم، قصة التشريد من حلب وكيفية مكوثه مع أهله في البقاع، حيث “كان التركيز في البداية على الأمور الإغاثية السريعة لسد الحاجة”.
ويقول مسلّم، الذي يساهم في تدريس أبناء سوريا في البقاع اللبناني، لـ DWعربية، إنه “مع مرور الوقت بدأ اللاجئون يفكرون في مستقبل أولادهم من حيث التعليم بكافة مراحله وكانت ومازالت العملية التعليمية الخاصة بالسوريين تواجه مشاكل مختلفة. بسبب الحالة المادية الفقيرة التي يعانون منها في لبنان، إذ ليس باستطاعة غالبية الأهالي تسجيل أولادهم في مدارس خاصة لبنانية أو حتى مدارس رسمية. بالإضافة إلى حاجز اللغة الإنجليزية بحكم أن السوريين يدرسون مناهجهم باللغة العربية”.
ويضيف المدرّس الشاب الذي انضم حديثاً للعمل مع منظمة “اتحاد غوث الأطفال” الدولية، إنه “تم فتح أكثر من مدرسة بدعم من جمعيات خيرية، تعتمد المنهاج السوري. و بدأ الطلبة السوريون بالتسجيل في هذه المدارس، لكن ظهرت عدة مشاكل، حيث لم يكن الاهتمام بالعملية التربوية والتعليمية هو أساس اهتمام هذه الجمعيات الأهلية بالإضافة إلى عدم اكتمال المناهج الدراسية”.
يشير أبن مدينة حلب، إلى أن إشكالية عدم الاعتراف بالشهادة السورية من قبل وزارة التربية اللبنانية، زاد من مشاكل التلاميذ المشرّدين. فوزارة التربية لم تصادّق على مثل هذا النوع من الشهادات، إضافة إلى مشكلة طلاب الثانوية العامة الذين يخضعون لامتحانات تؤهلهم بحمل شهادتها لدخول المرحلة الجامعية.
فلبنان لم يعترف بالشهادات الثانوية التي صدرت عن الائتلاف الوطني السوري المعارض.
ولعل الملف التعليمي الخاص باللاجئين السوريين أصبح شائكاً جداً بسبب تعدد الأيادي التي تدخلت فيه، وفي ظل غياب أي تدخل رسمي من قبل الدولة اللبنانية لحل هذا الملف، حسبما يرى مسلّم.
تقرّ إحدى المسؤولات التربويات لـ DW عربية، بوجود مشاكل تواجه قبول التلاميذ السوريين في المدارس الرسمية اللبنانية، مشيرة إلى أزمة وجود أمكنة.
وتقول المسؤولة، التي لم تشأ كشف هويتها، إن المدارس الرسمية تقبل التلاميذ بحسب قدرتها على الاستيعاب وتحدد فصولهم وفق امتحان دخول يبين مستوى كل تلميذ قبل فرزه إلى الفصل المناسب.
مشكلة اللغة
ولعل مشكلة الأمكنة قد بدأت في طريقها إلى الحل، حيث تقوم بعض المنظمات الدولية بالتعاون مع وزارة التربية ومدارس لبنانية، بفتح فصول تعليمية خاصة بالتلاميذ السوريين بعد الظهر، تعتمد المنهاج التعليمي السوري، وتراعي مسألة اللغة الأجنبية.
فبحسب ما تكشفه المسؤولة التربوية أن معظم تلاميذ سوريا خسروا سنة أو سنتين من حياتهم الدراسية بسبب تصنيفهم في فصول أدنى من الفصول التي كانوا فيها قبل هروبهم إلى لبنان. وتقر المسؤولة بأن الشهادات الرسمية غير متاحة لهؤلاء التلاميذ وتحتاج إلى تسوية.
وحول مصادر الدعم، تؤكد المسؤولة أن الدعم الحكومي والدولي شبه غائب، وأن بعض الطلاب يتكفّل بهم “أصحاب الأيادي البيضاء” من ممولين لبنانيين وسوريين، إضافة إلى جمعيات أكثرها دينية.
المأساة يمكن ملاحظتها عن قرب حين تدخل بيوت بعض السوريين في لبنان، والتي تفتقد لأبسط متطلبات الحياة. هنا يمكن الزائر رؤية عدد من الأطفال يلازمون ذويهم طوال اليوم، بسبب عدم قبولهم في مدارس، إما لعدم قدرة الأهل على دفع الرسم المالي أو لعدم تمكنهم من توفير وسيلة نقل من والى المدرسة والسبب هنا أيضاً مالي.
هذا ما يرد على لسان رب أسرة أتى من إدلب في شمال سوريا إلى جبل لبنان، حيث يسكن مع أسرته المؤلفة من خمسة أطفال (أربعة أولاد وبنت) وزوجته، مشيراً إلى وجود أبناءٍ آخرين له لا يزالون في إدلب.
يقول أبو العبد لـ DW عربية، “كنا نأمل في مدرسة إسلامية قيل إنها توفّر للتلاميذ السوريين أسعاراً مناسبة وتعتمد مناهج سورية، لكن المدرسة هذه طلبت عن كل تلميذ مبلغ 500 ألف ليرة لبنانية (نحو 250 يورو)”
ويبدو أن هذه المدارس بدأت بتقاضي رسوم من السوريين بعدما توقف عنها الدعم الخليجي، حسبما يروي بعض العارفين.
أبو العبد لا يجد عملاً لتأمين قوت عياله فكيف يمكنه توفير مبلغ مليونين ونصف المليون ليرة عن خمسة أولاد عدا مصاريف النقليات؟ “الأمم المتحدة تقدّم مواد غذائية للاّجئين فقط ولا تساعد في التعليم”، على حد قوله.
يشير الرجل، الذي تعيش زوجته الحداد على شقيقها الذي قضى مع عائلته في قصف جوي على قريتهم منذ أيام، إلى أن كل ولد من أولاده سيفقد سنة دراسية في حال تم تسجيله في المدرسة الرسمية، فأبنه مصطفى (14عاماً) لم يستطع أن يتقدّم إلى امتحانات شهادة “البريفيه” في سوريا بسبب الحرب وبالتالي سيعيد فصله الدراسي في لبنان.
لكن أبو عبد يشير إلى وجود مدارس بدأت تفتح في مناطق عديدة تعتمد المنهاج السوري ومدرّسين سوريين أيضا وشبه مجانية، إلا أن الإشكالية تبقى في دفع مصاريف النقل التي قد لا يقدر عليها الكثيرون. ولا ينسى الرجل الستيني أن يذكّر جانبا طبقيا يتمثل بوجود عائلات سورية ثرية فرّت إلى لبنان وهي تعلّم أولادها في أفضل المدارس والجامعات.
وفيما تحدثت التقارير عن خطط تقوم بها هيئة الإغاثة العالمية ووزارة التربية لحل مشاكل التلاميذ السوريين، حاولت DW عربية، جاهدة الاتصال بالمعنيين في هاتين المؤسستين، لكن من دون الحصول على أي تصريح.
تبقى العلاقة بين المدرّسين اللبنانيين والتلاميذ الآتين من حرب ضروس، يحملون آلامهم ومشاكلهم الخاصة، هذا ما تحدثت عنه المدرّسة اللبنانية رشيدة مصري، مؤكدة أن ثلاثة أرباع تلاميذها من السوريين، في المرحلة الابتدائية خصوصاً.
تتحدث مصري عن مشاكل التلاميذ مع اللغة الأجنبية. وتلفت إلى ظاهرة وجود تلاميذ أكبر من زملائهم بسبب إعادتهم سنة أو سنتين دراسيتين.
وتقول لـ DW عربية “ثمة مشاكل نفسية يعانيها هؤلاء نتيجة ما شاهدوه في بلدهم من أهوال وما يعيشونه في أماكن التشرد من حرمان ومعاناة، تجعلهم يشعرون بالدونية وبعقدة نقص إزاء زملائهم اللبنانيين”، متمنية على المسؤولين في لبنان أن يكفّوا عن استغلال هذا الوضع يكفوا عن سرقة ما يأتي من أموال هي حق لهؤلاء الأطفال.