الرئيسية » رأي »

الثورة السورية تتعثَّر بين متغيرات الداخل والخارج

منير شحود
بعد عقود من تراكم المظالم والقمع وكبت الحريات والتجهيل، أثمر الربيع العربي عن براعم تفتحت في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا وغيرها في الانتظار. وفي سيرورة معقدة قاسية طافحة بالآمال والآلام تستيقظ الشعوب العربية، لتثبت وجودها، وتنفض الغبار عن عقود عشعش فيها الخوف والصمت.
ومنذ تسعة أشهر، انطلقت شرارة الثورة السورية، وتدحرجت كرة الثلج من درعا لتعم مدنٍ وبلداتٍ كثيرة، ولم يتأخر النظام في الرد لحظة واحدة، فبادر بتطبيق ما لديه من أدوات قمع ورعب، كانت من أهم العوامل التي أشاعت الخوف في المجتمع السوري لعقود. ومنذ البداية، وحتى هذه اللحظة، لم يتوقف القمع يوماً واحداً، ولم تُستثنى من ذلك أيام الأعياد. وخلال هذه الفترة صعَّدت الانتفاضة من مطالبها، بدءاً من شعارات الحرية والكرامة وحتى إسقاط النظام، تماشياً مع اشتداد القمع.
وإلى جانب الحل الأمني المعتمد، جيَّش النظام آلته الإعلامية لتشويه كل ما يحصل، ولأنه لم يعتد مواجهة المنتفضين، فقد اخترع منذ الأيام الأولى فكرة المندسين والعصابات المسلحة التي لديه باع طويل في فبركتها واستخدامها، وذلك من أجل تبرير استعمال الرصاص الحي في قمع المتظاهرين العُزَّل وسط الشوارع والطرقات، وحتى في الجوامع. ولعل النظام السوري كان يحاول بذلك أن يُخفي استخدامه لعناصر الشبيحة كقوى غير نظامية متعددة المشارب، بحيث تضيع بذلك المسؤوليات، ويختلط الحابل بالنابل، مع أن ما يقلقه بالفعل هو المظاهرات السلمية التي تُحرج نظامه وتكتسب تعاطفاً داخلياً وعربياً ودولياً.
واعتقد هذا الإعلام، الذي مازال يقتات مفاهيمه من عصور الأيديولوجيا والديماغوجيا لأنظمة الاستبداد، أنه اللاعب الوحيد في نقل الصورة والخبر، غير مدرك لأهمية التقدم التكنولوجي في مجال الإعلام، والذي دفع بحرية التعبير قدماً، جاعلا من الثائرين أنفسهم محررين ومراسلين وصانعي الأحداث والأخبار.
ومنذ البداية جرى الحديث أيضاً عن الطائفية لتخويف فئات من الشعب السوري، وإثارة الشكوك بين مكوناته، مستغلا حساسية البعض من الممارسات التي ارتكبتها تنظيمات دينية في الثمانينات، والتي رد النظام عليها بصورة مفرطة، ومازالت ذِكرياتُها تقض مضاجع السوريين، مع العلم أنه لم تُجرى أية مصالحة بعد تلك الأحداث الأليمة.
غنيٌّ عن القول بأن سوريا، بلد الصمت والخوف، لم يُسمح فيها بأي تجمع، وقمع أي نشاط سياسي وحقوقي، ومع أن ذلك ينطبق على جميع السكان-الرعايا، فإن القوى الإسلامية كان لها البنية التحتية التي تتمثل بالجوامع كأماكن للعبادة لا يمكن إغلاقُها، وبالتالي استطاعوا التجمع فيها، رغم خضوعها للمراقبة الصارمة، فصارت هذه الجوامع المكان الوحيد تقريباً للتجمع، حيث أُمكن للمظاهرات أن تتشكل وتتكون قبل أن تبدأ آلة القمع بعملها دون هوادة، مع أن إرهاصات الانتفاضة السورية كانت قد تمثلت بعدة محاولات اعتصام وتضامن مع الثورات العربية هنا وهناك.
ثمة أمر آخر أيضاً يُفسِّر المشاركة الواسعة للطائفة السنية أكثر من غيرها، ويعود إلى تهميشها سياسياً في فترة حكم البعث، ومن ثم الضرر الذي لحق بها من جراء ادعاء الإخوان المسلمين تمثيلها، واستغلال ذلك من قبل سلطة الاستبداد، حيث كان أي معارض من هذه الطائفة مُعرَّض لتهمة الإخوان المسلمين، وحكمها الإعدام. وشكل خروج نواة المظاهرة من الجوامع حجةً للبعض في حذره من الطابع الإسلامي للثورة، والتشكيك بوطنيتها، مع أن معظم المشاركين في هذه المظاهرات كانوا ينضمون إليها بعد خروجها من الجوامع.
كان النظام يخطط لتحويل ثورةٍ شعبية من أجل الحرية والكرامة، بشعاراتها الوطنية المؤثرة، إلى مشكلة طائفية، أو بين أقليات وأكثرية. واضطر الثوار للتراجع إلى الأحياء الشعبية التي تشكل ملاذاً آمناً نسبياً في وجه آلة قمع لا ترحم، كما تم منع المشاركين الآخرين من باقي أطياف الشعب السوري ومكوناته السياسية من الالتحاق بهؤلاء. وعملت أجهزة النظام الأمنية على تحريض شبيحتها بصورة ممنهجة للاعتداء على الناشطين في الأحياء التي تسيطر عليها، من أجل إسكات أي صوت معارض.
بدأت الثورة السورية في الأحياء المدينية الفقيرة والمهمشة وفي الأرياف، والتحق بها الكثير من أبناء الطبقة الوسطى والمثقفين، خاصة في الحالات التي ضعُفت فيها السيطرة الأمنية، حيث نزل مئات الآلاف إلى الشوارع، كما حدث في مدينتي حماة ودير الزور على سبيل المثال لا الحصر. ومع ذلك كان أفراد الطبقة المتوسطة ينحسرون عند اشتداد القمع لتبقى الشعلة متأججة بفضل أبناء الطبقات الشعبية. وكان دور المرأة السورية مميزاً بهذا الخصوص، سواء على صعيد الكلمة أو الفعل الثوري على الأرض وتقديم الدعم اللوجستي.
وقام النشطاء والمثقفون بدور مميز في إنشاء التنسيقيات التي كان لها دور مهم في التغطية الإعلامية لمجريات الأحداث عل الأرض في ظروف بالغة التعقيد لم يُسمح فيها إلا للإعلام الرسمي بنقل الأحداث بصورة مشوهة فيها الكثير من إنكارالوقائع وتحريفها. وقد ووجهت مظاهرة المثقفين الوحيدة التي شاركت فيها في حي الميدان بدمشق بعنف مفرط من قبل الشبيحة، وتم اعتقال العشرات، وسالت الدماء فيها أيضاً.
وفي مواجهة الموت والتعذيب، التجأ المتظاهرون إلى قيم تراثية وإيمانية تساعدهم على الصمود في هذه المواجهة غير المتكافئة، مثل قيم الشهادة والتضامن في الملمات، وهنا صارت الظروف ملائمة ليدخل بعض علماء الدين بقوة في التأثير على سير الأحداث. وقد استغل النظام شعبية بعض هؤلاء وأخطائهم، والذين تم تضخيم دورهم لتخويف مزيدٍ من المناصرين وحشدهم.
وشيئاً فشيئاً، تعلَّم الثوار بعض أساليب الدفاع عن النفس في مواجهة الموت، والتي تطورت لاحقاً إلى ما سمي حماية المظاهرات، خاصة بعد انشقاق المزيد من الجنود، وبدأ التسلح يشق طريقه إلى داخل صفوف الثورة. كما أن الإشكالات والحوادث الطائفية في مدينة حمص خاصةً صارت تنذر بخطر تعميمها في أماكن أخرى. وربما يحاول النظام من خلال سكوته عما يحدث في هذه المدينة توجيه رسالة إلى الشعب السوري مفادها أن البديل عنه هو الحرب الطائفية.
حاولت المعارضة السورية منذ بدء الثورة تنظيم نفسها بدون جدوى، ويبدو أن ظروف العمل الصعبة والسرية والمنافي والسجون قد تركت آثارها البليغة على أشخاص هذه المعارضة. وكان من الصعب علينا جميعاً استيعاب الظروف الجديدة التي تتطلب العمل ضمن فريق. ويؤسفني القول أن المعارضة السورية لم تكن، برأيي، على مستوى المسؤولية والاستعداد لهذه اللحظة الوطنية الاستثنائية. وعلى العموم فقد أثمرت الجهود المستمرة إلى تشكيل كتلتين رئيستين معارضتين هما المجلس الوطني السوري وهيئة التنسيق الوطنية.
ورغم تأييد معظم فعاليات الثورة السورية للمجلس الوطني السوري، فإن التمثيل السياسي لم يتحقق كما يجب؛ والمجلس الوطني وغيره من التشكيلات المعارضة تقف وراء لثورة الشعبية، صانعة الحدث، أو بجانبها، ويسعى لتأمين اعتراف عربي ودولي في هذه الظروف المعقدة. ويترك ذلك الباب مفتوحاً لشتى الاحتمالات عند سقوط النظام بصورة مفاجئة، لأنها، وكأية ثورة شعبية، تحتوي على مكونات عدة، ولم تستطع تنظيم نفسها في معظم الأماكن بسبب الظروف الأمنية الصعبة.
وثمة خطر الانفلات الأمني والانهيار الاقتصادي، وخاصة إذا لم يتمكن الجيش من فرض سيطرته على الأرض، بسبب ما لحق لتركيبته وسمعته من أضرار. وفي غمرة استعجالهم لسقوط النظام القاسي، يقلل بعض المعارضين من هذين الخطرين وغيرهما من الأخطار، متذرعين بخطر بقاء النظام نفسه على الوحدة الوطنية. ومع أن بقاء النظام فترة أطول لن يفضي إلا لمزيد من المشاكل، فلا يجوز الاستخفاف بفداحة المخاطر التي قد تتعرض لها سوريا بعد كل هذا العنف والقمع. ونشير هنا إلى تحذيرات جاءت من مراكز أبحاث عالمية بهذا الصدد، ومفادها أن المعارضة السورية تركز على إسقاط النظام، ولا تهتم بدرجة كافية بمخاطر المرحلة الانتقالية.
تسليح الثورة السورية خطرٌ آخر أيضاً، إذ أن نفوذ المسلحين الذين يعملون تحت غطاء الجيش الحر أو بدونه قد تزايد على حساب التنسيقيات في بعض الأماكن، ما يزيد من عدد الحوادث غير المنضبطة.
وعموماً، نستطيع أن نقسم الثورة السورية إلى ثلاث مراحل:
•    مرحلة التظاهر السلمي وقمعه بشتى الوسائل،
•    مرحلة ظهور الجيش السوري الحر، والمسلحين إلى جانب المظاهرات السلمية. وفي هذه المرحلة بدأت عملية حماية المظاهرات، علاوة على عمليات استهداف للقوى الأمنية والشبيحة، وبعض عمليات الخطف والاغتيال ذات البعد الطائفي، واغتيال خبرات علمية لم يتسنى معرفة مرتكبيها في ضوء التعتيم الإعلامي الذي يفرضه النظام.
•    المرحلة الخطيرة الأخيرة التي بدأت بالتفجيرين الأخيرين في دمشق، ودخول المراقبين العرب إلى سوريا.
لا يصح تطبيق نفس المفاهيم على هذه المراحل الثلاث، وما زال من المبكر الحديث عن التطورات الدراماتيكية التي ستتلاحق في المرحلة الأخيرة.
وفي محاولة لاستعادة المبادرة، أعلنت قوى الثورة عن إضراب على مراحل ينتهي بالعصيان المدني. وجاء ذلك بعد يأسٍ دفع المنتفضين إلى الاستنجاد بأية جهة يمكن أن تقدم الدعم، دون إدراك للمخاطر التي قد تنجم عن مثل هذه التدخلات، خاصة من الدول المجاورة.
ومع أنه من المبكر الحديث عن نتائج هذا الإضراب، فمن الملاحظ أن خارطة المشاركة في الإضرابات تتطابق إلى حد بعيد مع خارطة الاحتجاجات. هذا يعني أن الإضراب سيعزِّز التوجه السلمي في المناطق الثائرة، وهذا أمر في غاية الأهمية، ولكنه يقف عند حدود المشكلة الكبرى، وهي الانقسام الاجتماعي، حيث توجد كتلة صامتة لا يستهان بها من الشعب السوري لم تعبر عن نفسها بسبب الخوف من النظام أو من الآتي غير الواضحة معالمه. المشكلة الأخيرة تحتاج لمبادرة سياسية تكسر هذا الجمود مهما كابرنا، من يقوم بذلك؟ هذا هو السؤال.
إن خارطة التطرف التي يراها المرء على الصفحات الموالية والمعارضة ذات المستوى الشعبي تنذر بالخطر، وهي انعكاس عن الوضع المتفجر على الأرض. ولوحظ في الآونة الأخيرة انسحاب هذه الحالة لمستويات أعلى، لتشمل سياسيين ومثقفين. وإن النهج الطائفي لنظام يدافع عن وجوده باستخدام أخطر الوسائل، لايبرر لنا أن نكون طائفيين؛ فنكون قد وقعنا في الفخ الذي نصبه لنا.
ومع أن شعارات الثورة السورية قد انزاحت قليلاً من الوطنية في بداية الثورة إلى الدينية في هذه الأوقات، فإن ذلك يمكن تفسيره بسبب اليأس والحصار والتردد العربي والدولي في إبداء الدعم المطلوب. وساهم عزل المدن والبلدات والأحياء بعضها عن بعض في حصر النشاطات الثورية في أماكن ضيقة، وأثار ذلك عند المحاصرين شعوراً بالغيظ والحنق أحياناً، فكانت طريقة مطالبتهم الآخرين بالمشاركة من أسباب ابتعاد هؤلاء الآخرين عنها، وظهرت الدعوات التي تلقي باللوم على الآخرين، وتتهمهم بمساندة النظام، وأنه لن يُسمح لهم بالمشاركة في جني ثمار الثورة، ما أثار نوعاً من التوجس والريبة.
وأعطى انتصار القوى ذات التوجه الإسلامي في تونس ومصر دفعاً لهذا الاتجاه في الثورة السورية، مع أن الحالة السياسية والاجتماعية السورية لها خصوصيتها. كما أثار انتصارُ القوى الإسلامية هذه المخاوفَ عند آخرين، بسبب عدم الثقة المتأصل تاريخياً، مع أن تغيرات لا بأس بها قد طرأت على برامج القوى الإسلامية، علاوة على ما يمكن أن يحصل من تطورات إيجابية على هذه البرامج في الشروط الديمقراطية والخضوع لصندوق الانتخاب. ويبقى الخوف من الآخر وليد العزلة بصورة أساسية، وخاصة بعد عقود من الاستبداد لم يستطع فيها السوري أن يمد يده إلى أخيه السوري.

ما هو مستقبل الثورة في سوريا، وما هي القوى والعوامل التي ستؤثر على مجريات الأمور قبل سقوط النظام وبعده؟
من الصعب الحصول على إجابة واضحة عن هذين التساؤلين بسبب كثرة المتغيرات التي تؤثر على مسار الثورة. ومع ذلك، فثمة استيقاظ لقوى وطنية تم تهميشها منذ الخمسينات، لتعبر عن تمثيل الطبقات المتوسطة أو البرجوازية، كوريثة للتقاليد السورية العريقة في التجارة والصناعة. وتصنف هذه القوى من الناحية الدينية في صف الإسلام الليبرالي المعتدل. أن عودة السياسة إلى هذه البرجوازية وطبقتها الوسطى سيصحح وضعا تاريخيا ويعيد التوازن إلى المجتمع السوري. وإن إسلاماً معتدلاً لهو أفضل من علمانية متطرفة، طالما أنه يحترم الحريات الفردية ولا يكفِّر معارضيه.
التجربة التونسية أفضل الحالات التي يمكن الاستفادة منها، مع أن الخصوصية السورية، والانقسام الاجتماعي الذي لا يبدو أنه سيلتئم بسهولة، يتطلب منا كمعارضين تفانياً وحنكةً سياسيةً لوضع سوريا على طريق الديمقراطية والازدهار.
وعلى عاتق المجلس الوطني السوري، الأكثر تمثيلاً للمعارضة السورية، تقع مسؤولية كبيرة، ولعل مؤتمره الأول الذي انعقد منذ أيام في تونس ينجح في مقاربة الكثير من المسائل العويصة في مسار الثورة السورية، ومنها التنسيق مع الجيش السوري الحر والتحكم بمصادر تمويله، حتى لا تسنح الفرصة للأطراف الممولة بالتأثير على الخيارات المستقبلية لسوريا من خلال هذا الجيش، علاوة على المشاكل التي ستنجم عن صراع دول الجوار على سوريا. كما أن على المجلس توجيه خطابه إلى الشعب السوري كله ليشكل مظلة اطمئنان للمستقبل، ويسحب من النظام أهم أوراقه التي يدعي فيها تمثيل الأقليات وحمايتها. كما عليه أيضاً أن يكبح قوى الإقصاء التي تحاول تسلق سلم الثورة السورية من أجل بث بذور الفتنة، ومحاولة استبدال استبدادٍ بآخر. وعلى المجلس الوطني، من خلال ذلك كله، أن يقنع الأطراف العربية والدولية للاعتراف به كممثل للشعب السوري في هذه المرحلة، وذلك بالتنسيق مع قوى المعارضة الأخرى، ومن أجل جدولة أولويات التغيير القادم في سوريا.
من بين دول الجوار، كانت ردة فعل الجارة تركيا مبكرة، والتي تمثَّلت بمحاولات متكررة لإنقاذ نظام الأسد، بلا جدوى. وكانت تحاول، في الوقت نفسه، الإبقاء على مصداقيتها عند الشعب السوري وشعوب المنطقة. وتستطيع تركيا لعب دور إيجابي في لحظة حرجة بسبب علاقة الجوار وطبيعة تركيبتها السكانية التي تتشابه مع التركيبة السورية إلى حد كبير.
وتأخرت ردود الأفعال العربية على ما يحصل في سوريا بصورة يصعب تبريرها إلاَّ بالسياسة. فالدول العربية التي لم تصلها رياح الربيع العربي ليست بمنأى عنه بالطبع، وهي بالتالي تنظر في اتجاهين مختلفين: إنقاذ الأنظمة القائمة ولو بالإصلاح الشكلي، وإرضاء الشعوب الثائرة. ومع ذلك كانت مبادرة الجامعة العربية أمراً مقبولاً وحكيماً بحيث يصعب للنظام رفضها مثلما لا يمكنه قبولها أيضاً، وستشكل هذه المبادرة الأساس الذي سيجري بواسطته تدويل الموضوع السوري.
وروسيا، وقد بدأ الربيعُ العربي بالتسلل إلى ديمقراطيتها التي مازالت ترتدي المعطف السوفييتي، أخرجت مبادرتها أخيراً لحفظ ماء الوجه أمام العالم المندهش من دفاعها المستميت عن نظامٍ لا حظ له بالبقاء. وفي نهاية المطاف، فقَدَ نظام الاستبداد السوري أصدقاءه باستثناء حلفائه الذين يعتقدون بأن نهايته تفتح الطريق لنهايتهم أيضاً، مثل إيران وعراق المالكي ولبنان حزب الله.
لقد تثبت الوعي اليساري التقليدي منذ عقود على العداء للغرب كشر مطلق امبريالي، مشكلاً ركيزة الاستبداد الذي ادعى العلمانية، وتحول العداء في السياسة إلى سياسة عداء جوفاء، في منافسة مع الإسلام السياسي بأجنحته المختلفة، والذي شهد الإسلام الراديكالي منه صعوداً مستمراً في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين، ليعود الإسلام السياسي الليبرالي المعتدل في الأعوام الأخيرة، مستلهما بعض تجارب الحكم، ومن أهمها التجربة التركية.
إن الثورات العربية ستظهر هذه القوى السياسية الدينية وتدفع بها إلى الواجهة كفاتحة عصر ديمقراطي يستند إلى حكم القانون والدستور، ما يجعل الانقلاب على الديمقراطية من الماضي، كما سيدفع بقوى مدنية أخرى للظهور والتبلور في عملية سياسية واجتماعية مستمرة تواكب التطور الاجتماعي والمعرفي والحقوقي في الشروط الديمقراطية المتآلفة مع العصر.
غني عن القول أن النظام السوري غير قابل للإصلاح، وأن تفكيكه صار حاجة ملحة ليس للشعب السوري فقط بل من أجل خير المنطقة والعالم، وحتى تتحول سوريا من بلد يثير القلاقل في المنطقة إلى بلد يساهم في السلام والتعاون بين دول العالم أجمع. وإن الضغط العربي والدولي متعدد الأشكال، علاوة على استمرار الثورة في الداخل، سيجعل النظام يترنَّح تدريجياً. ومع ذلك، لا بد من مراقبة الوضع في الداخل السوري، لألا يتحول إلى صراع أهلي. وعلى الأمم المتحدة أن تتدخل بتفويض من مجلس الأمن، وأن يكون لها ممثل خاص لمراقبة تطور الأوضاع والحاجات الإنسانية والعمل على حماية المدنيين بالطريقة المناسبة.
إن مساعدة الشعب السوري في التخلص من نظام الاستبداد وتفكيكه واجب إنساني وعربي ودولي، وهو ضروري لاجتياز المرحلة الانتقالية بأمان، وإعادة إعمار بلدنا المنكوب.

تعليق واحد

  1. عبدالله صقر:

    وقع الكاتب في تناقضات واغفالات جعلت مقاله حملة تعبئة اكثر من تحليل سياسي.تحدث عن اهمال الطائفة السنية ثم اتهم النظام بالسعي لفتنة طائفية .اغفل الجرائم الارهابية الكبرى في اغتيالات قوى الامن والجيش والشرطةوخصوصا مجزرة جسر الشغور لصالح الحديث عن مشهد لم يحدث الا في الاعلام :متظاهرون سلميون وقوى الامن تطلق النار عليهم!! نسي الكاتب الخطاب الطائفي البغيض الذي سمع في التظاهرات ونسي الاعمال الارهابية التي طاولت البنى التحتية (…).استهان الكاتب بالعمليتين الارهابيتين الانتحاريتين في دمشق.نسي الكاتب الهستيريا السياسية دبلوماسية (…) لفرض حصار على سوريا.نسي الكاتب تسمية جمعة التظاهرات الحماية الدولية اي اقناع الشعب انه يطالب بالتدخل الاجنبي على طريقة ليبيا .
    (…) لم نتحدث عن الحرب الاعلامية التي تشنها الفضائيات وغيرها من الكثير من الحقائق التي تؤكد للكاتب والقارىء ان ما يجري في سوريا حرب حقيقية على هذا البلد.

    المحرر: نأسف على عدم نشر كامل التعليق بسبب حجمه الكبير

    تاريخ نشر التعليق: 2011/12/26

اُكتب تعليقك (Your comment):

صحافة اسرائيل

إعلان

خاص «برس - نت»

صفحة رأي

مدونات الكتاب

آخر التعليقات

    أخبار بووم على الفيسبوك

    تابعنا على تويتر

    Translate »
    We use cookies to personalise content and ads, to provide social media features and to analyse our traffic. We also share information about your use of our site with our social media, advertising and analytics partners.
    Cookies settings
    Accept
    Privacy & Cookie policy
    Privacy & Cookies policy
    Cookie name Active

    Privacy Policy

    What information do we collect?

    We collect information from you when you register on our site or place an order. When ordering or registering on our site, as appropriate, you may be asked to enter your: name, e-mail address or mailing address.

    What do we use your information for?

    Any of the information we collect from you may be used in one of the following ways: To personalize your experience (your information helps us to better respond to your individual needs) To improve our website (we continually strive to improve our website offerings based on the information and feedback we receive from you) To improve customer service (your information helps us to more effectively respond to your customer service requests and support needs) To process transactions Your information, whether public or private, will not be sold, exchanged, transferred, or given to any other company for any reason whatsoever, without your consent, other than for the express purpose of delivering the purchased product or service requested. To administer a contest, promotion, survey or other site feature To send periodic emails The email address you provide for order processing, will only be used to send you information and updates pertaining to your order.

    How do we protect your information?

    We implement a variety of security measures to maintain the safety of your personal information when you place an order or enter, submit, or access your personal information. We offer the use of a secure server. All supplied sensitive/credit information is transmitted via Secure Socket Layer (SSL) technology and then encrypted into our Payment gateway providers database only to be accessible by those authorized with special access rights to such systems, and are required to?keep the information confidential. After a transaction, your private information (credit cards, social security numbers, financials, etc.) will not be kept on file for more than 60 days.

    Do we use cookies?

    Yes (Cookies are small files that a site or its service provider transfers to your computers hard drive through your Web browser (if you allow) that enables the sites or service providers systems to recognize your browser and capture and remember certain information We use cookies to help us remember and process the items in your shopping cart, understand and save your preferences for future visits, keep track of advertisements and compile aggregate data about site traffic and site interaction so that we can offer better site experiences and tools in the future. We may contract with third-party service providers to assist us in better understanding our site visitors. These service providers are not permitted to use the information collected on our behalf except to help us conduct and improve our business. If you prefer, you can choose to have your computer warn you each time a cookie is being sent, or you can choose to turn off all cookies via your browser settings. Like most websites, if you turn your cookies off, some of our services may not function properly. However, you can still place orders by contacting customer service. Google Analytics We use Google Analytics on our sites for anonymous reporting of site usage and for advertising on the site. If you would like to opt-out of Google Analytics monitoring your behaviour on our sites please use this link (https://tools.google.com/dlpage/gaoptout/)

    Do we disclose any information to outside parties?

    We do not sell, trade, or otherwise transfer to outside parties your personally identifiable information. This does not include trusted third parties who assist us in operating our website, conducting our business, or servicing you, so long as those parties agree to keep this information confidential. We may also release your information when we believe release is appropriate to comply with the law, enforce our site policies, or protect ours or others rights, property, or safety. However, non-personally identifiable visitor information may be provided to other parties for marketing, advertising, or other uses.

    Registration

    The minimum information we need to register you is your name, email address and a password. We will ask you more questions for different services, including sales promotions. Unless we say otherwise, you have to answer all the registration questions. We may also ask some other, voluntary questions during registration for certain services (for example, professional networks) so we can gain a clearer understanding of who you are. This also allows us to personalise services for you. To assist us in our marketing, in addition to the data that you provide to us if you register, we may also obtain data from trusted third parties to help us understand what you might be interested in. This ‘profiling’ information is produced from a variety of sources, including publicly available data (such as the electoral roll) or from sources such as surveys and polls where you have given your permission for your data to be shared. You can choose not to have such data shared with the Guardian from these sources by logging into your account and changing the settings in the privacy section. After you have registered, and with your permission, we may send you emails we think may interest you. Newsletters may be personalised based on what you have been reading on theguardian.com. At any time you can decide not to receive these emails and will be able to ‘unsubscribe’. Logging in using social networking credentials If you log-in to our sites using a Facebook log-in, you are granting permission to Facebook to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth and location which will then be used to form a Guardian identity. You can also use your picture from Facebook as part of your profile. This will also allow us and Facebook to share your, networks, user ID and any other information you choose to share according to your Facebook account settings. If you remove the Guardian app from your Facebook settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a Google log-in, you grant permission to Google to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth, sex and location which we will then use to form a Guardian identity. You may use your picture from Google as part of your profile. This also allows us to share your networks, user ID and any other information you choose to share according to your Google account settings. If you remove the Guardian from your Google settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a twitter log-in, we receive your avatar (the small picture that appears next to your tweets) and twitter username.

    Children’s Online Privacy Protection Act Compliance

    We are in compliance with the requirements of COPPA (Childrens Online Privacy Protection Act), we do not collect any information from anyone under 13 years of age. Our website, products and services are all directed to people who are at least 13 years old or older.

    Updating your personal information

    We offer a ‘My details’ page (also known as Dashboard), where you can update your personal information at any time, and change your marketing preferences. You can get to this page from most pages on the site – simply click on the ‘My details’ link at the top of the screen when you are signed in.

    Online Privacy Policy Only

    This online privacy policy applies only to information collected through our website and not to information collected offline.

    Your Consent

    By using our site, you consent to our privacy policy.

    Changes to our Privacy Policy

    If we decide to change our privacy policy, we will post those changes on this page.
    Save settings
    Cookies settings