لبنان في انتظار بازار التسويات الكبرى

najat-charaf-dineنجاة شرف الدين

في كل مرة تتجدد فيها الأزمة السياسية اللبنانية  على خلفية مسائل تتعلق بالتعيينات أو التطورات الأمنية في جرود عرسال أو مسألة التشريع في المجلس النيابي وما بات يعرف بتشريع الضرورة نتيجة الشغور في موقع رئاسة الجمهورية ، تتصاعد المواقف وتعلو التصريحات التي تهدد بفرط عقد الحكومة ، وهي المؤسسة الوحيدة العاملة حتى الآن في لبنان ، والتي تتمتع بصلاحيات رئاسية تجعل من كل وزير برتبة رئيس ، وتعود بعدها حركة الإتصالات والمعالجات من أجل الإبقاء على الحد الأدنى من العمل الحكومي ، ولو غير الفاعل ، في إنتظار حدث ما يستطيع أن يعيد تكوين السلطة بشكل حقيقي في لبنان بعيدا عن أدوية المعالجات المرحلية التي زادت من حجم الإهتراء والفساد الذي تعانيه معظم المؤسسات .
في الأزمة الأخيرة ، إستطاعت الحكومة تجاوز مسألة عرسال والمعارك التي يخوضها حزب الله في الجرود ، عبر إيجاد صيغة توافقية بتكليف الجيش اللبناني حفظ الأمن داخل البلدة ، وإبقاء معارك الجرود خارج النقاش الوزاري ، إلا أنها لم تنجح في إبعاد كأس التعيينات الأمنية ، فجرى التمديد لسنتين للواء إبراهيم بصبوص في قوى الأمن الداخلي من قبل وزير الداخلية نهاد المشنوق ، ما خلق أزمة مع التيار الوطني الحر على خلفية بقاء أزمة قيادة الجيش قائمة حتى شهر أيلول ، موعد نهاية الفترة الممددة للجنرال جان قهوجي وإحالته على التقاعد . هذه الأزمة التي صعّد فيها رئيس كتلة الإصلاح والتغيير ميشال عون ، مهددا بخطوات غير منتظرة ، جعلت رئيس الحكومة تمام سلام يتريث بالدعوة لإجتماع مجلس الوزراء ، بانتظار الإتصالات ، التي يبدو أنها ستؤجل البحث الى شهر أيلول ، وتعيد كسابقاتها المعالجة المؤقتة ، نتيجة التوافق المفروض بحده الأدنى إقليميا ودوليا .
خلال الأسبوعين الماضيين ، صعّد العماد عون من لهجته الخطابية أمام الحشود التي جاءت الى الرابية ، مستعيدا مشهدية بعبدا قبيل مغادرته لبنان الى فرنسا ، متوجها إليهم بالقول “أننا قد نحتاجكم يوما ما لتقترعوا بأقدامكم كما اقترعتم انتم واباءكم واجدادكم في بعبدا عام 1990 و1991، مشيراً الى “اننا لسنا متشائمون من الوضع لكننا نريد ان نتصدى له”. موقف عون ، الذي يبدو أنه بقي وحيدا، مع قرار حليف حليفه الرئيس نبيه بري بتأجيل البحث في تعيين قائد الجيش الى أيلول ، وإنشغال حليفه حزب الله بحربه الإستراتيجية في سوريا وعلى الحدود اللبنانية ، مما يجعل موقفه ضعيفا في هذه المرحلة التي يتم فيها تحييد لبنان عن محيطه بالحد الأدنى من الإستقرار .
عندما يتم سؤال احد المسؤولين الأميركيين عن لبنان ، يكرر معظمهم حرصهم على دعم التركيبة الأمنية من الجيش اللبناني  والقوى الأمنية التي تحفظ إستقرار لبنان ،ويعتبرون أن الملفات السياسية وعلى رأسها رئاسة الجمهورية يجب أن يتم التوافق بشأنها بين اللبنانيين .مشددين في الوقت نفسه على الحفاظ على الإستقرار ولو بحده الأدنى .  هذا الموقف يختصر رأي العديد من دول أوروبا التي تريد الحفاظ على الستاتيكو الموجود في لبنان ، في ظل الخطر الذي يمثله وجود أكثر من مليون ومئتي ألف لاجىء سوري ، مما يجعل كل التسويات السياسية التي تحتاج الى توافق إقليمي تنتظر التسويات الكبرى أو التقسيمات الكبرى ، إذا ما أصبح ذلك ممكنا .
في هذا الوقت ، وحدها الخطابات والمطالب والتصاريح تتصاعد في الوقت الضائع ، في إنتظار التوقيت واللحظة السياسية التي يستطيع فيها لبنان أن يدخل كورقة في بازار التسويات الكبرى ، ليُرسم دوره تبعا للخريطة الجديدة ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *