الحِّراك والسلطة … إلى حين

najat-charaf-dineنجاة شرف الدين

بعد مرور حوالى الشهر على بداية الحراك المدني في الشارع اللبناني ، وبعدما توسعت شبكة المشاركين من حملات من ” طلعت ريحتكم ” و ” بدنا نحاسب ” و ” سكر الدكانة ” و ” حلوا عنا ” و ” جايي التغيير ” وغيرها ، يبدو أن هناك تحولات أو تعديلات حصلت في المشهد السياسي لدى السلطة السياسية المتمثّلة بالحكومة والمجلس النيابي بغياب رئيس الجمهورية ، كما لدى الحراك المدني ، المتمثل بهيئة التنسيق في الحراك من خلال إستخدامه لوسائل جديدة في  التعبير عبر مواجهته السلمية مع السلطة .
فالمجتمع المدني الذي خرج فجأة ووجد نفسه أمام مسؤولية الشعب، بغياب قيادة سياسية حقيقية تستطيع أن تدرس الخطوات والأهداف وتأثيراتها على الأرض ، تعرض في الوقت نفسه للكثير من محاولات التفريق في صفوفه والترهيب ، وهو إستطاع أن يعيد صياغة مطالبه وأشكال تحركاته تبعا لمدى تجاوب السلطة أو عدمه . كما إستفاد الحراك من أخطاء السلطة التي بدأت بالمواجهات والعنف الذي مارسته القوى الأمنية،  الى بناء جدار عازل مع الناس وصولا الى إختراقات عبر ممارسات لمجموعات شبابية بالاعتداء على المتظاهرين السلميين  ولم تنته مع كلام رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس الذي أطلق مصطلحا طبقيا جديدا هو ” أبو رخوصة ” .
هذه الأخطاء لم تقع فيها السلطة وحدها، فللحِّراك أيضا أخطاءه ومنها عدم تحديده منذ البداية للأهداف والشعارات  التي بدأت بالنفايات ولم تنته بإسقاط النظام وإتهام كل الطبقة السياسية بالفساد ، مما يعني بحده الأدنى ، دعوة الى تغيير كل الطاقم السياسي الحالي ، ولعل الرد الذي جاء على لسان رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط كان الأعمق بقوله ، تعليقا على إدراج إسمه ضمن الفاسدين ” أستغرب أن يرفع بعض المتظاهرين لافتة تختصر صور الفاسدين بي وبالرئيس نبيه بري والرئيس سعد الحريري ، من حقي الديمقراطي أن أطرح علامات إستفهام حول سبب إختصار الفساد بهذه الأسماء ، في حين أن اللائحة تطول جداً، وقد لا تتسع لها أي لافتة ” . هذا الإعتراف الخطير بمضمونه من جنبلاط حول اللائحة الطويلة ، لم يتم التوقف عنده ، بل مر كالعادة وكما سابقاته مرور الكرام . لا بل  حاولت السلطة  الاستفادة من بعض أخطاء الحراك المدني من أجل توجيه ضربات إرتداداية عبر التكتل لمختلف القوى السياسية  ضدهم من أجل تهميش دورهم واتهامهم بأنهم لا يعرفون ما يريدون .
وعلى الرغم من أخطاء الطرفين ، نجح الحِراك في إبعاد الخطاب الطائفي عن النقاش السياسي ، ولو الى حين ، كما نجح بإعادة الإعتبار الى كلمة المواطن ، ولو أيضا الى حين ، وهو نجح في إخافة الطبقة السياسية على مواقعها وجعلها تأخذ في الحسبان إمكانية وعي الشعب لحقوقه الأساسية والمطالبة بها، وربما لاحقا التعبير عن ذلك بصوته في صندوقة الإقتراع ، ولو أيضا الى حين .
ربما من المبكر قراءة تجربة التحرك الشعبي والمدني في نتائجه ، وربما من المبكر أيضا قراءة تجربة السلطة مع الحراك ، إلا أن  عدم رفع سقف التوقعات بتغييرات واسعة في تطبيق مفاهيم جديدة تتعلق بالدولة المدنية والحقوق للمواطن ، والعمل على تنسيق الجهود بين مختلف الهيئات ومنظمات المجتمع المدني باتجاه تحديد أهداف واضحة وممكنة التحقيق ، يستطيع أن يُطيل عمر الحِّراك ، ولو الى حين ، لأن النظام الطائفي المتجذر يبقى أقوى بأدوات المواجهة ، ولو أيضاً الى حين …

1 thoughts on “الحِّراك والسلطة … إلى حين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *