تشيخوف .. في سوريا

najat-charaf-dineنجاة شرف الدين

إنتظر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أربع سنوات على بدأ الثورة السورية، كما انتظر التحولات الكبرى التي حصلت على الارض ودخول عوامل دولية وإقليمية بالإضافة الى التغييرات في المشهد السياسي، ووصول الإرهاب لإحتلاله مساحات واسعة من الدولة السورية، ليستقدم طائراته وتعزيزاته العسكرية والصاروخية ويبدأ بغاراته على ما أسماها المواقع للإرهابيين . الخطوة الروسية التي فاجأت العالم في توقيتها، قابلتها مواقف دولية وإقليمية شاجبة من دون إدانة واسعة، سوى لإستهداف المدنيين في الغارات الواسعة .
كثيرة هي القراءات والتحاليل التي كتبت حول الأهداف الروسية لهذا التحرك العسكري، البعض إعتبرها ترسيخا للوجود الروسي في المنطقة، والبعض الآخر رأى في الخطوة حماية لمواقع النظام الممتدة من دمشق الى اللاذقية للحفاظ على المنطقة العلوية تحصينا للموقع التفاوضي السياسي ، ومنهم من ذهب لاعتبار أن الأولوية الروسية تتركز على الحرب على الإرهاب الداعشي الذي تتخوف موسكو من إمتداداته الشيشانية والقوقازية في عقر دارها ، وصولا الى إعتبار أن الأسباب إقتصادية تتعلق بإقفال الطريق على أي مشاريع لأنابيب غاز يمكن أن تسلك الطريق السوري وصولا الى أوروبا .
بغض النظر عن صحة أي من القراءات فيما يتعلق بالتحول الذي أحدثه الوجود الجوي إضافة الى البحري الروسي وأهدافه، إلا أن الأكيد أنه لن يستطيع إعادة عقارب الساعة الى ما قبل العام 2011 أو أن يحقق إنتصارا لصالح الرئيس السوري بشار الأسد، وإنما وبحسب مراقبين مطلعين، سيحاول فرض حل سياسي يتضمن أربع نقاط ، الأول الحفاظ على وحدة الأراضي للدولة السورية أي عدم التقسيم ، والثانية الحفاظ على مؤسسات الدولة وعلى رأسها الجيش السوري والإدارات العامة ، والنقطة الثالثة بقاء الرئيس الأسد في المرحلة الانتقالية، أما النقطة الأخيرة فتتعلق بتقديم الأسد تنازلات واسعة بعد المرحلة الانتقالية وهي بمعظمها تستند الى بنود جنيف واحد .
خطوة الرئيس الروسي التي جاءت بعد لقاءه الرئيس الأميركي باراك أوباما في نيويورك، والتي رأى فيها العديد من المحللين ضوءا أخضر أميركيا، على الرغم من رفض الرئيس أوباما قائلا بأن ” روسيا ستقع في مستنقع سوريا بسبب سعيها لإيجاد حل عسكري يضمن دعم الأسد وبقائه في السلطة” مؤكدا أن من المستحيل إقناع الشعب مجددا بأن الأسد لا زال قائدا ” إلا أنه أبدى في الوقت نفسه إستعداده الكامل للتشاور مع كافة الأطراف المعنية لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية . هذا الموقف الأوبامي قابله موقف أكثر تشددا من الجانب البريطاني، وهو ما عبّر عنه رئيس الوزراء ديفيد كاميرون الذي وصف الخطوة الروسية بأنها ” خطأ فادح ” معتبرا أن ذلك سيزيد من عدم الاستقرار في المنطقة. كاميرون وفيما يتعلق بمستقبل الأسد كان قال ” إن الأسد يمكن ان يبقى جزءا من حكومة انتقالية ولكن ينبغي الا يكون جزءا من مستقبل سوريا على المدى الطويل ” . الموقف نفسه كرره الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند عندما قال ” إن بلاده تتحادث مع الجميع ولا تستبعد احدا سعيا وراء حل سياسي في سوريا” وأضاف ” باريس ترى ان مستقبل سوريا لا يمكن ان يمر عبر بشار الأسد ” .
عندما تم تصوير الطائرات الروسية عبر الساتيلايت وتم عرضها على وسائل الإعلام الغربية، علّق الخبير العسكري الروسي ألكسندر غولتس أنه إذا كان الجيش الروسي ينشر قوات في سوريا ، فإنه سيستخدمها. وأضاف ” إن الأمر مماثل لمسرح تشيخوف. فإذا كانت هناك بندقية في الغرفة، فينبغي استخدامها ” ، فماذا إذا كانت عشرات الطائرات والصواريخ مدعومة بعدم وجود ترجمة روسية لكلمة ” أضرار جانبية ” أو collateral damage ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *