دبلوماسية الحروب في فيينا

najat-charaf-dineنجاة شرف الدين

على الرغم من التباين في قراءة نتائج مؤتمر فيينا المخصص للملف السوري ، إلا أنه برز إجماع على إعتبار أن المرحلة السياسية التي تواكب المرحلة العسكرية والميدانية قد بدأت بالفعل ، ولو أنها ستأخذ وقتا طويلا قبل البدء بالاتفاق على تطبيق الخطط العملية المتعلقة بوقف إطلاق النار والحكومة الانتقالية والدستور المستقبلي ، في ظل استمرار الخلاف على دور الرئيس السوري بشار الأسد في المرحلة الانتقالية وما بعدها .
دعوة إيران للمرة الاولى للمشاركة في إجتماع فيينا، شكلت نجاحا للدبلوماسية الروسية بقيادة وزير خارجيتها المحنك سيرغي لافروف  ، الغير بعيدة عن الدبلوماسية الأميركية بقيادة الوزير جون كيري، الذي لم يخف رغبته بمشاركة صديقه اللدود محمد جواد ظريف حين قال ” حان الوقت لإعطاء إيران موقع على الطاولة”، وهي خطوة توقف عندها العديد من المراقبين لانها تأتي بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني والتقارب مع واشنطن ، وبعد غياب عن إجتماعات جنيف واحد وإثنين في عامي 2012 و 2014 وبعد معارضة سابقة من الرياض .
وجود إيران في فيينا لم يستطع ان يكسر الجليد مع المملكة العربية السعودية ، والطاولة التي جمعتهم حولها أبقت الأمور معلقة على الأسد، فيما يعتبر البعض أن رحيل الأسد فجأة سيؤدي الى تأثيرات على أجهزة ومؤسسات الدولة وهو ما لا يريده الأميركيون وحلفاؤهم الأوروبيون ، المتخوفين أصلا من تصاعد موجات الهجرة الجماعية السورية الى أوروبا وربطه بملف الاٍرهاب .
دبلوماسية فيينا السورية التي جمعت خمسة عشر دولة ما عدا الدولة المعنية وهي سوريا بشقيها النظام والمعارضة، حملت جداول وأجندات متعددة للدول المشاركة ، كل من موقعه ومصالحه، فروسيا القيصرية تريد عودة مكانتها كقوة عالمية على الساحة الدولية، وأوروبا تريد حماية مصالحها في المنطقة، وتركيا تريد الحرب ضد الأكراد ، والسعودية تريد الحرب ضد الهيمنة الإيرانية ، وإيران تريد توسيع نفوذها الإقليمي ، واميركا تريد إبقاء نفوذها في المنطقة بأقل خسائر ممكنة أي القيادة عن بعد والاستفادة من النتائج لصالحها.
هذه الاجندات تجعل من الصعب الالتقاء على نقاط مشتركة يمكن ان تسهل التوصل الى توافق في وقت قريب ، وهو ما يفتح الباب واسعا أمام إستمرار المعارك العسكرية والميدانية ، كما الغارات الروسية والتي وصلت الى تدمر، وبالتالي إستمرار دعم أميركا وحلفاءها لأطراف المعارضة السورية بالمزيد من الأسلحة ، وهو ما لا يسمح بتغيير واسع على الارض نتيجة صعوبة حسم هذه المعارك لصالح طرف مقابل الآخر، سواء النظام أم المعارضة، سوى بحدود بسيطة لا تشكل تحولا في المشهد الميداني، وهو ما يطرح علامات إستفهام حول امتداد النيران وتهديدها لاستقرار الدول المحيطة إذا ما طالت الأزمة في سوريا.
صحيح أن مجرد إنعقاد الاجتماع في فيينا وبهذا الحضور الواسع يشكل تبدلا في المشهد سياسيا ، وصحيح أن مؤشرات إيجابية في البيان تدل على التمسك بوحدة سوريا ومؤسساتها مع ترحيل الملفات الخلافية، إلا أن الدول المشاركة بمختلف أجنداتها رسمت أيضا مخططا حربيا موازيا ولو ببدلة دبلوماسية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *