صفر إعتذار وصفر إستقرار

najat-charaf-dineنجاة شرف الدين

في أيار من العام 2010 عندما تعرض أسطول الحرية الذي كان متوجها الى غزة الى هجوم من القوات الاسرائيلية بعد تهديده بعدم الاقتراب من مرفأ المدينة الفلسطينية لضربة موجعة أدت الى استشهاد تسعة أتراك وعدد من الجرحى  ، طلب رئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب أردوغان من رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو الاعتذار والتعويض . رفض حينها نتانياهو معتبرا أن ما حصل دفاع عن النفس من قبل الجنود الإسرائيليين .
انتظر أردوغان ثلاث سنوات ، قبل أن يأتيه اتصال هاتفي من نتانياهو في آذار من العام 2013 قدم خلاله إعتذارا مصحوبا بتعهدات بتعويضات مالية لذوي الشهداء،  بعد تدخل الرئيس الاميركي باراك أوباما الذي وافق على صفقة سلاح لتركيا وانضمامها الى منظومة الدرع الصاروخية ونشر صواريخ الباتريوت ، مقابل إعلانها عن الموافقة على انضمام إسرائيل الى أنشطة الناتو غير العسكرية لعام 2013 .
هذه التجربة الاردوغانية ولم يكن حينها رئيسا للجمهورية، منحت السلطان مزيدا من الاعتداد بالنفس ، على الرغم من الخسارة التي منيت بها أنقرة نتيجة الإجراءات بوقف العلاقات العسكرية والاقتصادية بين البلدين ، إلا أنها حققت انتصارا في الشارع العربي بوقوفه بوجه إسرائيل ودفاعه عن فك الحصار عن غزة  .
بعد خمس سنوات تخوض تركيا تجربة مماثلة، ولو باختلاف الظروف والدول والمصالح  ، فبعد إقدام تركيا على إسقاط طائرة السوخوي الحربية الروسية ، بسبب إختراقها الأجواء وهو ما أصرت روسيا على رفضه، ونالت دعما من الناتو عبر تبني الرواية التركية ، وبعدما أعلن الرئيس الاميركي باراك أوباما مباشرة بعد الحادث ، عن حق أنقرة في حماية أجوائها مما يشير الى دعم الموقف التركي ، طالب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإعتذار تركيا ، وبدأ بسلسلة إجراءات عقابية اقتصادية سيكون لها انعكاسات سلبية على البلدين ، نتيجة حجم التبادل التجاري الذي بلغ  ثلاثين مليار دولار في العام الماضي ، بعد أن رفض لقاء نظيره التركي في باريس على هامش قمة المناخ .
هذه الخطوات التصعيدية الروسية ، والتي شملت إعادة نظام التأشيرات ومنع الشركات الروسية السياحية من تنظيم رحلات الى تركيا ، إضافة الى رفض الاجتماع ، رد عليها الجانب التركي برفض الاعتذار وقال رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو ” لا يمكن لأي دولة إجبار تركيا على  الاعتذار عن إسقاط الطائرة الروسية ” .
بوتين الذي رأى في الحادث ” طعنة في الظهر ” وحذر من عواقب وخيمة ، يبدو أنه يتجه الى تصعيد في الخطاب والاجراءات من دون تجاوز الخط الأحمر عبر المواجهة العسكرية  ، من خلال إتهام تركيا بفتح حدودها أمام الإرهابيين وتوجيه ضربات جوية للمعارضة السورية على الحدود السورية التركية وهو ما ظهر من خلال قول بوتين ” إن تركيا قررت إسقاط الطائرة الروسية لحماية تهريب داعش للنفط ” .
هذا التصعيد الروسي قابله تحقيق نقاط تركية ، بعد منح الاتحاد الاوروبي مساعدة للاجئين بقيمة ثلاثة مليارات دولار من أجل وقف تدفقهم الى أوروبا ، كما حصل أردوغان على إنجاز كان يسعى إليه منذ سنوات وهو إعادة فتح ملف التفاوض من أجل إنضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي ، ولو أنه سيكون مسارا طويلا وشائكا .

صحيح أن المعركة تركية روسية إلا أن الحلبة ستكون الارض السورية ، وقد بدأت موسكو باستقدام تعزيزاتها العسكرية من خلال نشر المضادات أس  400 في اللاذقية، كما استخدمت للمرة الاولى طائرة السوخوي 34 في غاراتها ، فيما تمتنع أنقرة حتى الآن عن إقفال الحدود مع سوريا ، ويبدو أيضا أن شعار تركيا الصفر مشاكل سيتحول الى صفر إستقرار مقابل صفر إعتذار …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *