الرئيسية » رأي » فداء عيتاني »

الثورة الثالثة: لواء شهداء نحاس

شوّل شوّل (أسرق أسرق) ……… بشار مطول

(اهزوجة محلية حلبية)

fida1

“هي المرحلة الثالثة من الثورة” يقول احد القياديين المحليين في الريف الحلبي، بعد ان مرت المرحلة السلمية الاولى المطالبة بالاصلاحات، وتلتها مرحلة العسكرة، اليوم تمر المرحلة الثالثة من الترهل والتشتت والتي سيتبعها توحيد وتنظيف للمناطق وللقوى المشاركة من اللصوص والمجرمين وعملاء الاجهزة الامنية الحليفة للنظام السوري، والالوية التي تشير ممارساتها الى ارتباطها بالنظام نفسه.
a17be37ac8

في حلب مقاتلون ثوار واخرون مشبوهين

ربما هذه النظرة تحمل الكثير من التفاؤل، وحتى يتم فرز القوى الثورية، فان الشمال السوري بمحافظتيه الحلبية والادلبية يعيش مرحلة صعبة، ان لم نقل انها مرحلة خانقة، تجعل السكان المدنيين والكثير من الثوار يتحولون الى التذمر والانكفاء وفقدان الثقة بثورتهم. دون ان يتمكنوا للحظة من مجرد التفكير بقلب الموقف لمصلحة النظام السوري.

قبل ليلة واحدة من مغادرة الاراضي السورية، وقريبا من منطقة النزاع في خان العسل، ظهر فجأة لهب من نار، استمر يشتعل رافعا اعمدة من الدخان الاسود التي اظهرها ضوء لهيب النار، ظهرت سيارة لاحد الشبان من الجيش الحر، صرخ في الساهرين على الشرفة: “احملوا اسلحتكم ولنشكل دورية مطاردة”. خرج حوالي خمسة من الشبان من مجموعة قرية عويجل، اتجهوا الى مكان النار، بعد قليل ومن مسافة نصف كيلومتر سمع دوي الطلقات، ثم صراخ اوصله الليل الى حيث نسهر، ثم ظهرت سيارة تحمل احد المقبوض عليهم.

كان لصوص النهار يحرقون الكابلات النحاسية ليزيلوا عنها الكاوتشوك قبل بيعها، ما خفي نهارا ظهر ليلا، واعترف المقبوض عليه على رفاقه، اتصل الشبان بباقي المجموعة وجاء الدعم كما تمت مداهمة منازل اللصوص، فر من فر، وبقي النحاس بتصرف المحكمة المحلية، كما معدات اللصوص. الا ان هؤلاء اللصوص ليسوا ظاهرة منعزلة، انهم الحالة العامة التي تسود البلاد اليوم، حيث تسود المناطق المحررة حالة من التفلت وانعدام الامن، والنهب والسلب والخطف، بينما ينشغل بضعة الاف من المقاتلين في معارك في كل جهة من مطار منغ في الشمال الى مدينة حلب في الجنوب.

حتى شهر آب من العام 2012 كانت القوى الثورية في المحافظات الشمالية لا تزال تتمتع نسبيا بانضباطية عالية، السرقات نادرة، القتل ليس عشوائيا، وفي تلك المرحلة كان التدين الاسلامي طاغيا، ولكن في المقابل الاسلاميون المقبلون من خارج البلاد قلة، بضع مئات على احسن الاحوال في هذه المناطق، الا انهم كانوا لا يزالون يتدفقون، اسعار السلع كانت لا تزال في حدود مقبولة وقريبة من الاسعار التي اعتادها المواطنون، على الرغم من فقدان الكثير منها من الاسواق.

في ذلك الحين كان الطيران السوري يقصف بطائرات تدريبية مواقع الثوار، واستدرج الثوار انفسهم الى معركة حلب، التي حولها النظام الى فخ استنزفهم من خلاله عسكريا، واخلاقيا ومعيشيا، فقد الثوار الكثير من كوادرهم، كما فقدوا الكثير من التأييد، وانضم اليهم الاف المقاتلين العرب، فتحت دول العالم الحدود على تدفق القاعديين، كما فتح النظام بوقت سابق ابواب سجونه لاخراج السلفيين الجهاديين، من ابو محمد الجولاني الى الكثيرين غيره ممن سبق ان اوقفوا على دفعات ولاعوام طويلة في اقبية اجهزة المخابرات السورية.

الدخول الى مدينة حلب سبب حربا طويلة، قاسية ادت الى افراغ احياء ومناطق كاملة من سكانها، كان الثوار يدخلون الى نقاط تجمع للجيش فيجدون العناصر النظامية الفارة قد تركت خلفها مسروقاتها، ثم تحول العديد من المقاتلين الى لصوص في احياء المدينة المقفرة والمتروكة بما حوت نهبا للمتقاتلين.

خلت البيوت من المسروقات الغالية والخفيفة، وبدأت، شأن كل الحروب، عملية تنظيف المنازل والمستودعات التجارية من الموجودات، انشق العديد من الكتائب عن الويتها لممارسة السرقة بحرية، جبهة النصرة تمكنت ببطشها من قمع عناصرها من السرقة، واستخدمت سمعتها الحسنة هذه في تقريب السكان منها وجعلهم يفضلوها على الوية الجيش الحر،وبعض الالوية، كـ”كتائب نور الدين الزنكي” استطاعت بجهد جهيد ان تحافظ على سمعتها، ليس دون ترك العديد من عناصرها ومجموعاتها تخرج من جسمها وتتشكل في مجموعات تحترف السرقة والخطف مقابل فدية. اعادت هذه الكتائب فرز عناصرها، وتخلت في مناطق عن المئات من المقاتلين طاردة اياهم من جسمها العسكري، وفي احدى المناطق تقلص عدد مقاتليها من 250 مقاتل الى 75  عنصرا فقط لا غير.

بدأت عمليات تنظيف المعامل على خطوط التماس، وظهر لواء “شهداء نحاس” الذي قدم 80 شهيدا تقريبا، حيث يروي احد الجنود المنشقين ان قناصة النظام في منطقة صلاح الدين في مدينة حلب صاروا يردون المترددين على احد مستودعات النحاس يمينا ويسارا، ولكن ذلك لم يمنع اللصوص من محاولة الدخول الى المخزن وسحب النحاس منه ملىء شاحنة صغيرة (سوزوكي) كل مرة، حتى اذا ابتسم احدهم ليلا ارداه القناص فور رؤية بياض اسنانه.

80 عنصرا مسلحا دخلوا الى مستودع النحاس وخرجوا اقدامهم امامهم، جرح كثيرون ايضا، وتمكن الكثر من تعبئة الشاحنات بالنحاس، الطريق المؤدية الى المستودع حملت لاحقا حاجزا لاحدى المجموعات التي فرضت نفوذها، كان يفترض بكل داخل تسديد مبلغ 25 الف ليرة سورية عن حمولة شاحنة قبل الدخول، دون ان تحمل المجموعة المسيطرة مسؤولية رفع القتلى والجرحى اذا ما ساءت الامور. وبعدها ارتفع الثمن، وارتفع سعر النحاس، ونمى لواء “شهداء نحاس” بقتلاه.

انتشر الفساد، مترافقا مع انتشار الفقر، ومع انتشار النزوح، انعدم الامن على الطرقات، بات اي لص يمكنه نصب حاجز مع ثلة من رفاقه، والاعتداء على اي عابر سبيل، خطفه واتهامه بانه شبيح، وسرقة سيارته، وتركه لاحقا مقابل فدية مالية، او ببساطة قتله، وترك جثته على قارعة الطريق خارج القرى.

كبار اللصوص معروفين، كما ان قراهم وعائلاتهم معروفة، العديد من هؤلاء كانوا سابقا مع النظام في اطار اللجان الشعبية، ثم انقلبت الامور، فالتحقوا بالجيش الحر في مجموعات القرى المتفرقة، حيث لا بنية تنظيمية ولا الية محاسبة، خاصة ان الاغلبية المطلقة من المقاتلين يخدمون وفق نظام التطوع، ويحصلون على ما لا يسد الرمق (البعض يحصل على 5000 الاف ليرة سورية اي حوالي 35 دولار اميركي شهريا والبعض الاخر على 2000 ليرة اي 13 دولار اميركي).

مع امتداد الصراع لفترة زمنية طويلة، وطول الضائقة المالية وارتفاع الاسعار وانخفاض سعر العملة وعمليات التهجير والقصف وما يخلفه كل ذلك من فوضى، انسحبت المجموعات من بعضها، وخرج العديد من الشبيحة السابقين ليقودوا كتائب ومجموعات من الجيش الحر، وحصل هؤلاء على البطاقات الرسمية الصادرة عن قيادة اركان او هيئات الجيش الحر في الخارج، والتي تسعى الى مراكمة مؤيدين دون ان تعلم يقينا من هم هؤلاء المقاتلون.

وخرج مهربو البضائع وتجار المخدرات، ليتابعوا اعمالا جديدة تدر عليهم اكثر مما كانوا يجنون في السابق، سرقة الفيلات من الريف ومباني حلب، بيع موجوداتها، سرقة مختلف انواع السلع، من اوراق المحارم الى السيارات والمواد الاولية، سرقة المصانع، بيع المعدات التي تحويها المصانع الى تجار اتراك، وضع اليد على مستودعات استراتيجية من مصانع السكر الى اهراءات الحبوب، التجارة بالمساعدات، وطبعا وقبل كل شيء التجارة بالسلاح والحصول على الدعم من دماء الشهداء.

مع كل يوم يمر تشتد المواجهات في سوريا بين الثوار، وبين النظام، ومع محاولات النظام تحسين مواقعه في اغلب البلاد وخاصة في الوسط والساحل الغربي، فان مواقع الثوار في القرى وبين السكان تتراجع، وان لم يكن ماديا فمعنويا، اذ يعلم السكان ان البديل عن هؤلاء المقاتلين الشبان هو الموت ذبحا على ايدي جنود النظام ولجانه الشعبية، ولكن سمعة الجيش الحر باتت علكة في افواه المدنيين بسبب من انعدام الانضباط والسرقات، ومظاهر الثراء لدى بعض المسؤولين، وفرض الخوات على اثرياء لا علاقة مباشرة لهم بدعم النظام، اضف الى فرض عقوبات استنسابية على كل من يمكن اتهامه بمعاونة النظام او تأييده سابقا قبل تحرير المناطق، اضف الى تدخل الكثير من المحاكم بادق الامور الشخصية والعائلية.

عدد من قادة مجموعات اليوم كانوا واقفين على شفير الاعدام من قبل الثوار في السابق، لولا ان عائلاتهم افتدتهم بالقليل من المال، الذي سمح لهم باعادة كسب الملايين اليوم من السرقات ومختلف عمليات السطو وقطع الطرقات. بدأ الفساد يوما بحجة الحاجة الى التمويل لشراء الذخائر واطعام المقاتلين، فتم اطلاق سراح الشبيحة واعوان النظام من الاسر مقابل القليل من المال، واليوم يحمل من يسرق من الناس الشعار نفسه “لدي جيش من المقاتلين اريد اطعامه وتأمين الذخيرة له”، كأن الثورة يمكنها ان تنتصر وهي ملوثة بنهب من تدافع عنهم.

بالاتفاق مع الكاتب وبالتزامن مع نشرها في مدونته الخاصة

(الجزء الثاني: “الثورة الثالثة: جبهة النصرة محبوبة ومرذولة في آن”)

اقرأ للكاتب نفس:

اُكتب تعليقك (Your comment):

صحافة اسرائيل

إعلان

خاص «برس - نت»

صفحة رأي

مدونات الكتاب

آخر التعليقات

    أخبار بووم على الفيسبوك

    تابعنا على تويتر

    Translate »
    We use cookies to personalise content and ads, to provide social media features and to analyse our traffic. We also share information about your use of our site with our social media, advertising and analytics partners.
    Cookies settings
    Accept
    Privacy & Cookie policy
    Privacy & Cookies policy
    Cookie name Active
    PHPSESSID

    Privacy Policy

    What information do we collect?

    We collect information from you when you register on our site or place an order. When ordering or registering on our site, as appropriate, you may be asked to enter your: name, e-mail address or mailing address.

    What do we use your information for?

    Any of the information we collect from you may be used in one of the following ways: To personalize your experience (your information helps us to better respond to your individual needs) To improve our website (we continually strive to improve our website offerings based on the information and feedback we receive from you) To improve customer service (your information helps us to more effectively respond to your customer service requests and support needs) To process transactions Your information, whether public or private, will not be sold, exchanged, transferred, or given to any other company for any reason whatsoever, without your consent, other than for the express purpose of delivering the purchased product or service requested. To administer a contest, promotion, survey or other site feature To send periodic emails The email address you provide for order processing, will only be used to send you information and updates pertaining to your order.

    How do we protect your information?

    We implement a variety of security measures to maintain the safety of your personal information when you place an order or enter, submit, or access your personal information. We offer the use of a secure server. All supplied sensitive/credit information is transmitted via Secure Socket Layer (SSL) technology and then encrypted into our Payment gateway providers database only to be accessible by those authorized with special access rights to such systems, and are required to?keep the information confidential. After a transaction, your private information (credit cards, social security numbers, financials, etc.) will not be kept on file for more than 60 days.

    Do we use cookies?

    Yes (Cookies are small files that a site or its service provider transfers to your computers hard drive through your Web browser (if you allow) that enables the sites or service providers systems to recognize your browser and capture and remember certain information We use cookies to help us remember and process the items in your shopping cart, understand and save your preferences for future visits, keep track of advertisements and compile aggregate data about site traffic and site interaction so that we can offer better site experiences and tools in the future. We may contract with third-party service providers to assist us in better understanding our site visitors. These service providers are not permitted to use the information collected on our behalf except to help us conduct and improve our business. If you prefer, you can choose to have your computer warn you each time a cookie is being sent, or you can choose to turn off all cookies via your browser settings. Like most websites, if you turn your cookies off, some of our services may not function properly. However, you can still place orders by contacting customer service. Google Analytics We use Google Analytics on our sites for anonymous reporting of site usage and for advertising on the site. If you would like to opt-out of Google Analytics monitoring your behaviour on our sites please use this link (https://tools.google.com/dlpage/gaoptout/)

    Do we disclose any information to outside parties?

    We do not sell, trade, or otherwise transfer to outside parties your personally identifiable information. This does not include trusted third parties who assist us in operating our website, conducting our business, or servicing you, so long as those parties agree to keep this information confidential. We may also release your information when we believe release is appropriate to comply with the law, enforce our site policies, or protect ours or others rights, property, or safety. However, non-personally identifiable visitor information may be provided to other parties for marketing, advertising, or other uses.

    Registration

    The minimum information we need to register you is your name, email address and a password. We will ask you more questions for different services, including sales promotions. Unless we say otherwise, you have to answer all the registration questions. We may also ask some other, voluntary questions during registration for certain services (for example, professional networks) so we can gain a clearer understanding of who you are. This also allows us to personalise services for you. To assist us in our marketing, in addition to the data that you provide to us if you register, we may also obtain data from trusted third parties to help us understand what you might be interested in. This ‘profiling’ information is produced from a variety of sources, including publicly available data (such as the electoral roll) or from sources such as surveys and polls where you have given your permission for your data to be shared. You can choose not to have such data shared with the Guardian from these sources by logging into your account and changing the settings in the privacy section. After you have registered, and with your permission, we may send you emails we think may interest you. Newsletters may be personalised based on what you have been reading on theguardian.com. At any time you can decide not to receive these emails and will be able to ‘unsubscribe’. Logging in using social networking credentials If you log-in to our sites using a Facebook log-in, you are granting permission to Facebook to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth and location which will then be used to form a Guardian identity. You can also use your picture from Facebook as part of your profile. This will also allow us and Facebook to share your, networks, user ID and any other information you choose to share according to your Facebook account settings. If you remove the Guardian app from your Facebook settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a Google log-in, you grant permission to Google to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth, sex and location which we will then use to form a Guardian identity. You may use your picture from Google as part of your profile. This also allows us to share your networks, user ID and any other information you choose to share according to your Google account settings. If you remove the Guardian from your Google settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a twitter log-in, we receive your avatar (the small picture that appears next to your tweets) and twitter username.

    Children’s Online Privacy Protection Act Compliance

    We are in compliance with the requirements of COPPA (Childrens Online Privacy Protection Act), we do not collect any information from anyone under 13 years of age. Our website, products and services are all directed to people who are at least 13 years old or older.

    Updating your personal information

    We offer a ‘My details’ page (also known as Dashboard), where you can update your personal information at any time, and change your marketing preferences. You can get to this page from most pages on the site – simply click on the ‘My details’ link at the top of the screen when you are signed in.

    Online Privacy Policy Only

    This online privacy policy applies only to information collected through our website and not to information collected offline.

    Your Consent

    By using our site, you consent to our privacy policy.

    Changes to our Privacy Policy

    If we decide to change our privacy policy, we will post those changes on this page.
    Save settings
    Cookies settings