الرئيسية » رأي » فداء عيتاني »

أكذوبة “المجرم الواحد”

fida1فداء عيتاني

لساعة واكثر من بعد انفجار مسجدي التقوى والسلام في طرابلس كانت السماء لا تزال تحمل سحب الدخان الاسود، هو مشهد مكرر لما جرى ايضا قبلها في الضاحية الجنوبية لبيروت، ولمرتين في الضاحية، ولكن مرة واحدة في المدينة الشمالية في لبنان، كانت مزدوجة وفاقت الاصابات فيها كل ما سبق. انها مجزرة اخرى تضاف الى اخواتها.

لم يحتج احد لوقت طويل لتوجيه الاتهامات في عبوات الضاحية الجنوبية، ولا لاتخاذ الاجراءات والتدابير الامنية، قال الامين العام لحزب الله “انهم التكفيريون”، اضعف احتمال التورط الاسرائيلي الى ادنى الدرجات، وسانده في ذلك سيل من التحقيقات والملاحقات الامنية التي قامت بها الاجهزة الرسمية للدولة اللبنانية.

اعلن وزير الدفاع عن اسماء او احرف اولى من الاسماء لبعض من شارك في وضع العبوات في الضاحية والبقاع ومن استهدف المناطق بالصواريخ في اعمال ارهابية وعشوائية، وتلته وسائل اعلام يملكها حزب الله مباشرة او بالواسطة لتشرح اكثر من هم هؤلاء التكفيريون: بعض من ابناء عرسال، او جلهم، لاجئون فلسطينيون، لاجئون سوريون.

اذا انهم التكفيريون، اشير باصبع الاتهام الى تلك الفئة، واتهمت باعمال الارهاب وقتل المدنيين في الضاحية الجنوبية، ولم يفوت الامين العام لحزب الله الفرصة ليؤكد انه سيضاعف عدد مقاتليه في سوريا ضد هذه الفئة “دفاعا عن لبنان”. واعتمد اجراءات امنية تغلق مناطق نفوذه المستهدفة، الضاحية ومحيطها، وربما بعض الحواجز التي تقام في المناطق، كحاجز مستديرة بعلبك حيث يقف مقاتل من حزب الله بسلاحه الكامل مراقبا حسن اداء عناصر الجيش اللبناني لمهمتهم في تفتيش السيارات، قبل ان تمر السيارات على حاجز اخر للحزب على مبعدة عشرة امتار من حاجز الجيش اللبناني.

القاتل اذا هو “التكفيريون”، وهؤلاء كما اقنع حزب الله جمهوره، وكما رغب هذا الجمهور بالاقتناع بشدة، هم كل الاخرين، وخاصة ابناء سوريا، ولكن لضرورات الدعاية لن ندعوهم “بني امية” كما يرد على صفحات المريدين على الفايسبووك، ولكن سيكون اسمهم المقاتلون الاجانب من القاعدة، وسيتم تعميم تسمية “تكفيري” التي اجترحها الامين العام للحزب حسن نصرالله في مقابلة مع تلفزيون المنار في شهر تشرين الاول العام 2011، على كل المقاتلين في سوريا.

كلهم تكفيريون، وكلهم اجانب مرتزقة او من تنظيم القاعدة، وكلهم يستهدفون امن المقاومة وجمهورها، وكلهم يريدون المجيء لقتلنا في منازلنا، وكلهم يرغبون في التعاون مع اسرائيل والولايات المتحدة وقطر والسعودية، كلهم عملاء وكلهم يزرعون العبوات الناسفة، واذا تركناهم على سجيتهم فسيأتون غدا الى بيروت ويفجرون منازل الضاحية. فاذا كلهم شياطين ويجب قتلهم كلهم. انهم كفرة يكفرون الاخرين.

لا يهم بالتالي ذكر حقائق وارقام، الدعاية السياسية بدأت منذ العام 2011 تحريضا ضد الثورة السورية، وتم القيام بكل ما يلزم لتظهير عشرات ومئات الاخطاء التي قامت بها المجموعات الثائرة في سوريا بانها هي جوهر الثورة، كما تم تكبير حجم القوى القاعدية في سوريا، حتى باتت صورة اكل القلب التي قام بها مقاتل كويتي هي صورة سوريا المنتفضة، وصورة قطع الرؤوس التي يقوم بها ابو البنات الروسي، المشكوك اصلا في هويته وانتمائه، هي صورة المستقبل الذي يريده الثائرون السوريون، وبات كل ما ومن يعارض بشار الاسد هو تكفيري، بما فيه الاعتراض على ضرب المناطق المدنية بالاسلحة الكيميائية، كما تم وضع حاجز هائل من التشكيك بكل ما يرد من لدن الثوار، “كل ذلك اكاذيب واتهامات يقوم بها عدو مجرم وارهابي ولا يستحق الحياة” هكذا يتم التعامل مع كل جرائم النظام السوري، حتى بات من يتحدث عن محاربة التكفيريين يعيش في عالم من الاوهام منفصل عن الحقائق الموضوعية، ومغطى بصبغة تكفيرية مبررة تماما بالدفاع عن النفس: نذهب لنقتل السوريين في سوريا لانهم سيأتون ليكفروننا ويقتلوننا، يرسلون لنا السيارات المفخخة لانهم يعتبروننا كفرة، يجب قتلهم، ولا حل معهم غير الحل الامني، الى اخر هذه المعزوفة.

ولكن الارقام بسيطة، وواضحة، في سوريا على احسن تقدير 12000 مقاتل اجنبي هم العمود الفقري لتنظيم القاعدة بشقيه “جبهة النصرة” و”الدولة الاسلامية في العراق والشام” وبحسب المصادر الغربية فان الرقم لا يتجاوز 10000 رجل، انهم من يعتبره الاعلام الغربي والساسة الاميركيين والاوروبيين مصدر القلق، بينما في حلب وحدها 85 الف مقاتل تحت السلاح من الوية وكتائب الجيش الحر، ويمكن مضاعفة العدد بمجرد وقوع معارك مفصلية او توفر السلاح الكافي او اقتراب النظام من المناطق الرئيسية للثوار. ولكن هذه الارقام لا تعني شيئا لمن اصبح يرى في عبارة “لا اله الا الله” علما للتكفيريين، بينما يرفعها هو نفسه كشعار للقتال ضدهم.

الا ان انفجاري طرابلس هزا هذه المنظومة المترابطة المتماسكة من الدعاية السياسية، فعاد اصحابها الى انشودة التآخي الوطني والخطر المشترك والايدي الغريبة، وعنونها اعلامهم وجمهور حزب الله والمؤيدين لبشار الاسد ووسائل اعلامه (المباشرة او بالواسطة) باسم “القاتل واحد”.

يرغب المرء حقيقة في اعتبار ان القاتل واحد، ويرغب اكثر بالقول ان القاتل هو عدونا الاسرائيلي، ورعاته من الاميركيين، الا ان الواقع لاسف مختلف تماما، القاتل الواحد بنظر السيد حسن نصرالله واعلامه هو “التكفيريون”، ولكن المعضلة من شقين، اولا كان من السهل جدا بناء على عقلية معروفة، وبناء على معطيات اعترافات ميشال سماحة المسربة (ذاك الذي وصفه اللواء جميل السيد بالحمار)، وبناء على العشرات من المعطيات المادية منها تذمر جمهور المقاومة من الاجراءات الامنية وكلفة القلق اليومي وثمن المشاركة في حرب سوريا التي تتحول شيئا فشيئا الى حرب مذهبية بقيادة حزب الله وبفضله، كل ذلك ادى الى سهولة التقدير بعد عبوتين في الضاحية الجنوبية ان الهدف المقبل لن يكون الا مناطق “تكفيرية”، الجانب الاخر من المعضلة هو ان الانفجارين في طرابلس طاولا مسجدين لمن يسمى بالتكفيريين، وساعة تواجد هؤلاء فيهما وبمن فيهم قياداتهم من مشايخ ورجال علم واختصاصات واثرياء مختلف الشخصيات، وكانت الحصيلة كارثية فعلا، وبالتالي فاما ان نتبنى مقولة “الثوار ضربوا انفسهم بالاسلحة الكيميائية في الغوطة لتوريط النظام” وسار على خطاهم التكفيريون في لبنان “ففجروا مسجدين من مساجدهم لتوريط حزب الله”، واما ان نعترف بان القاتل ليس واحدا، ثمة قتلة، وثمة اكثر من طرف ارهابي.

لم يكن من الممكن تلبية نداء الامين العام لحزب الله بالذهاب الى سوريا للتحارب هناك، كان يتمنى الرجل ذلك، هذه العبارة التي تفتقد لكل الاخلاق والقيم الانسانية حيث يدعو خصومه الى الذهاب لبلد مجاور والتقاتل على حساب شعب اخر، العبارة نفسها شكلت كشفا لما لا يرغب الحزب في الخوض فيه: الصراع داخل لبنان، ليبقى البلد قاعدة خلفية هادئة يتم فيها ومنها ادارة القوات في سوريا، وضمان امن الخزان البشري للحزب، وموارده المتعددة، واستكمال عمليات التدريب القائمة على قدم وساق والتجنيد وغيرها، وتغطية ذلك بالحرص على البلد، مع الاستهتار الكامل بشعب وبلد مجاور.

لم يكن اسهل على اعداء حزب الله المتورط في سوريا وهم كثر، من المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا والولايات المتحدة (الخ) من تعمد ضرب الحزب في عقر داره، والتلويح بعقوبات بشرية هائلة وحالة من الارباك التي لن تحلها اجراءات امنية تزيد الحياة ارباكا فوق الارباك الحاصل. فكانت عبوة الضاحية الاولى، التي لا شك بان ايد لبنانية شاركت فيها، والتي شكلت رسالة للحزب، ثم العبوة الثانية، التي شكلت عملية ارهابية قاتلة لمحيط سكني، عداك عن الصواريخ واستهداف سيارات الحزب على الطرق المؤدية الى سوريا، والتي تشي باحترافية عالية.

ان كشف الغطاء الامني عن لبنان، من تسعير الخطاب المذهبي، وصولا الى الظهور المسلح العلني، وادارة المناطق امنيا بشكل مباشر من قبل قوات غير نظامية، والاعلان عن المشاركة العسكرية في سوريا، ورفع مستوى التناحر الداخلي الصامت، كل ذلك ادى في النهاية الى امكانية تدخل خارجية او قيام مجموعات محلية متوسطة الكفاءة باعمال تخريب وارهاب، بكل الاتجاهات. واول من يعلم حقيقة ان العلاج لحالة مشابهة لا يكون عبر التدابير الامنية هو حزب الله، وامينه العام الذي قال في حرب مخيم نهر البارد، ان الحل يكون سياسيا وقضائيا وامنيا، وهي حالة مشابهة لما يرى الحزب انه حاصل في سوريا كما في لبنان، حيث يعتقد الحزب وامينه العام ان هناك عصابات تكفيرية تحاول الانقلاب على الدولة والنظام وقتل الاخرين، بينما “الشعب السوري يؤيد النظام”، او “يريد اصلاحات شكلية”.

وبالعودة الى طرابلس فلا يمكن بالتالي فصل ما جرى فيها عن سياقه الطبيعي: الرد على الارباك الداخلي بضرب من يشكل بيئة حاضنة للثورة السورية، رسالة قاسية، ولا شك بان من يمكنه اعدادها هم روسيا او ايران او سوريا – النظام، او حتى حزب الله، ومما لا شك فيه بانها تمت على ايد لبنانية وربما طرابلسية.

بعد كل ما جرى في الحرب الاهلية الماضية، وكل ما مررنا به من اضاعة فرص بناء البلد، التي اهدرها رفيق الحريري وشركائه اللبنانيين والسوريين، وكل ما مررنا به من نزاع اهلي بارد وحار ما بين العامين 2005 و2011، وما نمر به من حرب اهلية باردة اليوم، تجد من يميل الى تصديق الاكاذيب، او الى تبني اغلفة براقة لعفونة طائفية كريهة، انها الحرب الاهلية المستترة وان كانت تتم بالعبوات، وككل مرة بطلب خارجي. والمرة المقبلة ستكون عبوتنا في منطقة مختلطة او مسيحية.

صباحكم سعيد.

بالاتفاق مع الكاتب وبالتزامن مع نشرها في مدونته الخاصة

مقابلة الامين العام لحزب الله مع تلفزيون المنار خريف العام 2011.

خطاب الامين العام لحزب الله حول مخيم نهر البارد وسبل العلاج العام 2007.

اقرأ للكاتب نفس:

تعليق واحد

  1. جنوبي:

    اخر ما كنا نتوقعه يافداء ان تتعرعر وتصبح عرعوري

    تاريخ نشر التعليق: 2013/11/16

اُكتب تعليقك (Your comment):

صحافة اسرائيل

إعلان

خاص «برس - نت»

صفحة رأي

مدونات الكتاب

آخر التعليقات

    أخبار بووم على الفيسبوك

    تابعنا على تويتر

    Translate »
    We use cookies to personalise content and ads, to provide social media features and to analyse our traffic. We also share information about your use of our site with our social media, advertising and analytics partners.
    Cookies settings
    Accept
    Privacy & Cookie policy
    Privacy & Cookies policy
    Cookie name Active

    Privacy Policy

    What information do we collect?

    We collect information from you when you register on our site or place an order. When ordering or registering on our site, as appropriate, you may be asked to enter your: name, e-mail address or mailing address.

    What do we use your information for?

    Any of the information we collect from you may be used in one of the following ways: To personalize your experience (your information helps us to better respond to your individual needs) To improve our website (we continually strive to improve our website offerings based on the information and feedback we receive from you) To improve customer service (your information helps us to more effectively respond to your customer service requests and support needs) To process transactions Your information, whether public or private, will not be sold, exchanged, transferred, or given to any other company for any reason whatsoever, without your consent, other than for the express purpose of delivering the purchased product or service requested. To administer a contest, promotion, survey or other site feature To send periodic emails The email address you provide for order processing, will only be used to send you information and updates pertaining to your order.

    How do we protect your information?

    We implement a variety of security measures to maintain the safety of your personal information when you place an order or enter, submit, or access your personal information. We offer the use of a secure server. All supplied sensitive/credit information is transmitted via Secure Socket Layer (SSL) technology and then encrypted into our Payment gateway providers database only to be accessible by those authorized with special access rights to such systems, and are required to?keep the information confidential. After a transaction, your private information (credit cards, social security numbers, financials, etc.) will not be kept on file for more than 60 days.

    Do we use cookies?

    Yes (Cookies are small files that a site or its service provider transfers to your computers hard drive through your Web browser (if you allow) that enables the sites or service providers systems to recognize your browser and capture and remember certain information We use cookies to help us remember and process the items in your shopping cart, understand and save your preferences for future visits, keep track of advertisements and compile aggregate data about site traffic and site interaction so that we can offer better site experiences and tools in the future. We may contract with third-party service providers to assist us in better understanding our site visitors. These service providers are not permitted to use the information collected on our behalf except to help us conduct and improve our business. If you prefer, you can choose to have your computer warn you each time a cookie is being sent, or you can choose to turn off all cookies via your browser settings. Like most websites, if you turn your cookies off, some of our services may not function properly. However, you can still place orders by contacting customer service. Google Analytics We use Google Analytics on our sites for anonymous reporting of site usage and for advertising on the site. If you would like to opt-out of Google Analytics monitoring your behaviour on our sites please use this link (https://tools.google.com/dlpage/gaoptout/)

    Do we disclose any information to outside parties?

    We do not sell, trade, or otherwise transfer to outside parties your personally identifiable information. This does not include trusted third parties who assist us in operating our website, conducting our business, or servicing you, so long as those parties agree to keep this information confidential. We may also release your information when we believe release is appropriate to comply with the law, enforce our site policies, or protect ours or others rights, property, or safety. However, non-personally identifiable visitor information may be provided to other parties for marketing, advertising, or other uses.

    Registration

    The minimum information we need to register you is your name, email address and a password. We will ask you more questions for different services, including sales promotions. Unless we say otherwise, you have to answer all the registration questions. We may also ask some other, voluntary questions during registration for certain services (for example, professional networks) so we can gain a clearer understanding of who you are. This also allows us to personalise services for you. To assist us in our marketing, in addition to the data that you provide to us if you register, we may also obtain data from trusted third parties to help us understand what you might be interested in. This ‘profiling’ information is produced from a variety of sources, including publicly available data (such as the electoral roll) or from sources such as surveys and polls where you have given your permission for your data to be shared. You can choose not to have such data shared with the Guardian from these sources by logging into your account and changing the settings in the privacy section. After you have registered, and with your permission, we may send you emails we think may interest you. Newsletters may be personalised based on what you have been reading on theguardian.com. At any time you can decide not to receive these emails and will be able to ‘unsubscribe’. Logging in using social networking credentials If you log-in to our sites using a Facebook log-in, you are granting permission to Facebook to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth and location which will then be used to form a Guardian identity. You can also use your picture from Facebook as part of your profile. This will also allow us and Facebook to share your, networks, user ID and any other information you choose to share according to your Facebook account settings. If you remove the Guardian app from your Facebook settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a Google log-in, you grant permission to Google to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth, sex and location which we will then use to form a Guardian identity. You may use your picture from Google as part of your profile. This also allows us to share your networks, user ID and any other information you choose to share according to your Google account settings. If you remove the Guardian from your Google settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a twitter log-in, we receive your avatar (the small picture that appears next to your tweets) and twitter username.

    Children’s Online Privacy Protection Act Compliance

    We are in compliance with the requirements of COPPA (Childrens Online Privacy Protection Act), we do not collect any information from anyone under 13 years of age. Our website, products and services are all directed to people who are at least 13 years old or older.

    Updating your personal information

    We offer a ‘My details’ page (also known as Dashboard), where you can update your personal information at any time, and change your marketing preferences. You can get to this page from most pages on the site – simply click on the ‘My details’ link at the top of the screen when you are signed in.

    Online Privacy Policy Only

    This online privacy policy applies only to information collected through our website and not to information collected offline.

    Your Consent

    By using our site, you consent to our privacy policy.

    Changes to our Privacy Policy

    If we decide to change our privacy policy, we will post those changes on this page.
    Save settings
    Cookies settings