الرئيسية » مدونات » ألآن غريش Alain Gresh »

سوريا: تأهب لضربة يرثى لها

alain_gresh3ألان غريش

منذ متى لم يذكِّر مسؤول فرنسي باتفاق ميونيخ؟تجرأ هارلم ديزير أمين عام الحزب الاشتراكي بالقول: «لا أرغب في أن يبرز في هذا الوقت الأشخاص الذين استقبلوا السيد (بشار) الأسد بمناسبة العيد الوطني الفرنسي في ١٤ تموز ذهنيةً ميوييخ تجاه هذه الفظائع»، في إشارة إلى زيارة الرئيس السوري بشار الأسد لفرنسا عام 2008. غير أن الحديث عن ميونيخ بات اليوم مبتذلاً؛ فقد سبق أن استُخدم عند إصدار الحكومة قراراً عام ١٩٨٩ يتعلق بارتداء الحجاب، عرف في حينها بـ«ميونيخ المدرسة الجمهورية»، وفي حقبة سابقة استعمله الاشتراكي الآخر غي موليه من أجل تبرير العدوان الثلاثي على مصر بعد تأميم قناة السويس.
إنها طريقة سهلة لا مخاطر فيها تسهم في تشويه سمعة الخصم المتّهم بالاستسلام للفاشية، مثل تراجع فرنسا والمملكة المتحدة عام ١٩٣٨ أمام هتلر في اتفاق وقع في ميونيخ، كما تدفع أيضاً لتفادي الغوصفي المواضيع المهمة وتقليص الجدل الديموقراطي.
لقد بدأ الجدل حول ضربة متوقعة لسوريا، وهو ما كان ليخفت جزئياً لولا أن الرئيس باراك أوباما قرر استشارة الكونغرس قبل التصرّف. وهذا أمر جيد، فالقرارات المتخذة سيكون لها عواقب على الشرق الأوسط وعلى موقع فرنسا في العالم. وقد بدأ البرلمان الفرنسي في مناقشة هذه المسألة الأربعاء الماضي.
وبحسب مقال في الموقع الإلكتروني لصحيفة «لو فيغارو» («سوريا: نواب الاتحاد من أجل حركة شعبية لا يؤيدون تورط فرنسا» 2 أيلول): «بعث النائب عن لوار إيف نيكولان رسالةً نصيةً مساء السبت 31 آب إلى أعضاء الحزب، يطرح عليهم فيها سؤالاً واحداً: هل أنت مستعد لتأييد تورط فرنسا في سوريا بالظروف الحالية؟ صباح الاثنين، ردّ 81 نائباً عن الحزب بـ«لا»، 5 بـ«نعم» و5 «لا أعرف» و1 «نعم، إذا»، معدداً عدّة شروط، أبرزها ألا تكون فرنسا وحيدة، فيما لم يكن 106 نوّاب قد أجابوا. بالطبع، لا قيمة علمية لهذا الاستطلاع إلا أنه يشير إلى ميول ما: أغلبية أعضاء حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية في الجمعية الوطنية يرفضون تدخل فرنسا في المغامرة السورية في ظلّ الأوضاع الراهنة، أي من دون المملكة المتحدة ومع تردد الولايات المتحدة وانقسام الأمم المتحدة في ظلّ المعارضة الروسية».
في رسالة مفتوحة إلى الرئيس فرنسوا هولاند نشرت في صحيفة JDD في الأول من أيلول، يتحدث السياسي في وسط اليمين، فرنسوا بايرو عن «قرار خطر» في ما يتعلق بسوريا فيما يطالب جان لوي بورلو بتصويت رسمي في البرلمان. ويقول فرنسوا زوشيتو، عضو مجلس الشيوخ ورئيس حزب اتحاد الديموقراطيين والمستقلين الذي ينتمي إليه بورلو، إنّ «انزلاق فرنسوا هولاند إلى تبعية محفوفة بالمخاطر خلف القرارات العشوائية والفردية لباراك أوباما لا يبشر بالخير حيال الأحداث التالية».
وقد أعلنت الجبهة الوطنية موقفها المناهض للحرب وكذلك الجبهة اليسارية التي أدانت بشدّة نظام بشار الأسد على عكس اليمين المتطرف.
وهنا تطرح أسئلة عدّة تستحق التفكير والنقاش:
– في ما يتعلق باستخدام السلاح الكيميائي، توجّه محققو الأمم المتحدة إلى موقع الحدث، ومن المتوقع أن ينشروا تقريرهم في غضون أسبوعين. أليس من الأجدى انتظار النتائج؟ فالأدلة التي تقدمها الولايات المتحدة يُنظر إليها على أنها مشوّهة ليس فقط من قبل الرأي العام الغربي بل العربي أيضاً. فلم ينسَ أحد سابقة الحرب على العراق عام 2003 وأسلحة الدمار الشامل غير الموجودة.
– في حال ثبوت استخدام هذا السلاح – والمشتبه الأول هو النظام السوري الذي طوّر ترسانته الكيميائية بشكل كبير خلال الثمانينيات من أجل تحقيق توازن استراتيجي مع إسرائيل – ما العمل؟ نتحدث هنا عن انتهاك خطير لمواثيق الأمم المتحدة. فلم يستعمل هذا السلاح كثيراً منذ الحرب العالمية الأولى، إلا من قبل الولايات المتحدة في حرب فييتنام، أي العامل البرتقالي الشهير (قراءة فرانسيس جيندرو «في فييتنام، العامل البرتقالي لا يزال يقتل» لو موند ديبلوماتيك، كانون الثاني 2006) وفي خلال الحرب العراقية _ الإيرانية، حين استعمل نظام صدّام حسين، المدعوم في حينها من واشنطن وباريس، الغازات السامة ضد الإيرانيين والأكراد (مجزرة حلبجة) – قراءة «الولايات المتحدة أعطت صدّام بركتها لاستخدام الغاز السام ضد الإيرانيين» (فورين بوليسي، 26 آب 2013).
– نذكّر أيضاً باستخدام الجيش الإيطالي تحت حكم الديكتاتور بينيتو موسوليني هذه الأسلحة عام 1935 خلال غزو إثيوبيا.
ما الحلّ في حال تأكيد استخدام هذا السلاح في سوريا؟ لم تشتمل الاتفاقات الدولية على أي عقوبات؛ فوحده مجلس الأمن الدولي هو المؤهل للردّ، لكنّه مشلول حالياً. وكما قال وزير الخارجية لوران فابيوس في مقابلة مع «لو فيغارو» (26 آب) إن الأسد «يسخر من الشرعية الدوية»، وهو على الحق، ولكن ضرب سوريا من دون تفويض من مجلس الأمن هو أيضاً انتهاك للشرعية الدولية. هل يجب أن نلجأ إليه؟
كلا، حتى وإن فهمنا بعض الاستثناءات التي حصلت في الماضي. مثلاً، عام 1979، اجتاحت فييتنام كمبوديا وقلبت حكم الخمير الحمر، على الرغم من إدانة المجتمع الدولي الذي دعم على مدى سنوات حكومة الخمير الحمر واحتضنها في مؤسسات الأمم المتحدة على الرغم من ارتكابها إبادات جماعية، فهل أخطأت هانوي؟
من الواضح أننا لسنا في وضع مشابه. فعدا عن فكرة «العقاب» التي لا تزال غير واضحة، بمَ تفيد الضربات على سوريا؟ فهي، بحسب التي يروّجون لها، لن تسهم في تغيير موازين القوى على الأرض، بل تهدد بتوسيع نطاق الصراع أكثر قليلاً إلى لبنان، ولمَ لا إلى إسرائيل؟
لا تدخل هذه الضربات في عقل أي تفكير سياسي يركز على كيفية وضع حدّ للمذبحة في سوريا، وبدء مرحلة تهدئة، وهي عملية تزداد أهميةً في ظلّ توسّع الفوضى التي تجتاح المنطقة من أفغانستان إلى الساحل، مروراً بالعراق ولبنان وليبيا والصومال. فالدول الفاشلة والدور المتصاعد للجماعات المسلحة والجماعات الجهادية مسائل يجب أن تقلق عواصم مثل موسكو وطهران كما تقلق باريس وواشنطن.
ويثير هذا الوضع قلقاً أكبر من كون النظام الذي يبدو غير قادر على هزم المعارضة المقسّمة، التي تهيمن عليها جماعات متشددة، عاجزاً عن تغيير موازين القوى. يمكننا أن نجد ألف سبب وسبباً لهذا الوضع، بما فيه موقف القوى الأجنبية الغربية أو العربية. ولكن يجب أن نأخذ في الاعتبار أيضاً الانقسام بين السوريين أنفسهم وتمكّن النظام من جذب قاعدة شعبية قلقة من صعود المجموعات الجهادية (قراءة مقال جنينية هيريرا «الأزمة السورية في الإطار اللاتيني – الأميركي (فنزويلا – البرازيل – الأرجنتين)»، منشورات «إيفبو»، 14 أيلول 2012 التي تظهر أنه في أميركا اللاتينية، معظم المهاجرين السوريين يدعمون النظام).
يجب إذاً التفاوض على الرغم من أن ذلك ليس بسهل والنظام يقاوم كلّ إصلاح جدّي، فيما المعارضة المقسّمة تتمزق.
أعلن رئيس الوزراء الفرنسي جان مارك أيرولت ألّا حلّ إلا الحلّ السياسي في سوريا. إذاً، لماذا هذه المغامرة الفرنسية فيما الولايات المتحدة نفسها تتصرف بكثير من التماسك، وتقول بعض المصادر إن واشنطن تسعى إلى استخدام هذه الأزمة من أجل التفاوض مع روسيا وإيران (قراءة لورا روزين «ما بعد الضربات الأميركية، إشارات على تكثيف دبلوماسية الأمم المتحدة حول سوريا» 27 آب 2013).
عبر مقاطعة إيران وازدراء روسيا، تخلّت فرنسا عن كلّ جرأة دبلوماسية، ما يحرمها دوراًَ فعّالاً في المنطقة. ومع الحديث عن القذائف، تتراجع صدقية فرنسا التي تضررت أصلاً على مرّ السنوات مع تخليها عن مواقع صنعت لها مجداً في الستينيات والسبعينيات.

Alain Gresh

اقرأ للكاتب نفس:

اُكتب تعليقك (Your comment):

صحافة اسرائيل

إعلان

خاص «برس - نت»

صفحة رأي

مدونات الكتاب

آخر التعليقات

    أخبار بووم على الفيسبوك

    تابعنا على تويتر

    Translate »
    We use cookies to personalise content and ads, to provide social media features and to analyse our traffic. We also share information about your use of our site with our social media, advertising and analytics partners.
    Cookies settings
    Accept
    Privacy & Cookie policy
    Privacy & Cookies policy
    Cookie name Active

    Privacy Policy

    What information do we collect?

    We collect information from you when you register on our site or place an order. When ordering or registering on our site, as appropriate, you may be asked to enter your: name, e-mail address or mailing address.

    What do we use your information for?

    Any of the information we collect from you may be used in one of the following ways: To personalize your experience (your information helps us to better respond to your individual needs) To improve our website (we continually strive to improve our website offerings based on the information and feedback we receive from you) To improve customer service (your information helps us to more effectively respond to your customer service requests and support needs) To process transactions Your information, whether public or private, will not be sold, exchanged, transferred, or given to any other company for any reason whatsoever, without your consent, other than for the express purpose of delivering the purchased product or service requested. To administer a contest, promotion, survey or other site feature To send periodic emails The email address you provide for order processing, will only be used to send you information and updates pertaining to your order.

    How do we protect your information?

    We implement a variety of security measures to maintain the safety of your personal information when you place an order or enter, submit, or access your personal information. We offer the use of a secure server. All supplied sensitive/credit information is transmitted via Secure Socket Layer (SSL) technology and then encrypted into our Payment gateway providers database only to be accessible by those authorized with special access rights to such systems, and are required to?keep the information confidential. After a transaction, your private information (credit cards, social security numbers, financials, etc.) will not be kept on file for more than 60 days.

    Do we use cookies?

    Yes (Cookies are small files that a site or its service provider transfers to your computers hard drive through your Web browser (if you allow) that enables the sites or service providers systems to recognize your browser and capture and remember certain information We use cookies to help us remember and process the items in your shopping cart, understand and save your preferences for future visits, keep track of advertisements and compile aggregate data about site traffic and site interaction so that we can offer better site experiences and tools in the future. We may contract with third-party service providers to assist us in better understanding our site visitors. These service providers are not permitted to use the information collected on our behalf except to help us conduct and improve our business. If you prefer, you can choose to have your computer warn you each time a cookie is being sent, or you can choose to turn off all cookies via your browser settings. Like most websites, if you turn your cookies off, some of our services may not function properly. However, you can still place orders by contacting customer service. Google Analytics We use Google Analytics on our sites for anonymous reporting of site usage and for advertising on the site. If you would like to opt-out of Google Analytics monitoring your behaviour on our sites please use this link (https://tools.google.com/dlpage/gaoptout/)

    Do we disclose any information to outside parties?

    We do not sell, trade, or otherwise transfer to outside parties your personally identifiable information. This does not include trusted third parties who assist us in operating our website, conducting our business, or servicing you, so long as those parties agree to keep this information confidential. We may also release your information when we believe release is appropriate to comply with the law, enforce our site policies, or protect ours or others rights, property, or safety. However, non-personally identifiable visitor information may be provided to other parties for marketing, advertising, or other uses.

    Registration

    The minimum information we need to register you is your name, email address and a password. We will ask you more questions for different services, including sales promotions. Unless we say otherwise, you have to answer all the registration questions. We may also ask some other, voluntary questions during registration for certain services (for example, professional networks) so we can gain a clearer understanding of who you are. This also allows us to personalise services for you. To assist us in our marketing, in addition to the data that you provide to us if you register, we may also obtain data from trusted third parties to help us understand what you might be interested in. This ‘profiling’ information is produced from a variety of sources, including publicly available data (such as the electoral roll) or from sources such as surveys and polls where you have given your permission for your data to be shared. You can choose not to have such data shared with the Guardian from these sources by logging into your account and changing the settings in the privacy section. After you have registered, and with your permission, we may send you emails we think may interest you. Newsletters may be personalised based on what you have been reading on theguardian.com. At any time you can decide not to receive these emails and will be able to ‘unsubscribe’. Logging in using social networking credentials If you log-in to our sites using a Facebook log-in, you are granting permission to Facebook to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth and location which will then be used to form a Guardian identity. You can also use your picture from Facebook as part of your profile. This will also allow us and Facebook to share your, networks, user ID and any other information you choose to share according to your Facebook account settings. If you remove the Guardian app from your Facebook settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a Google log-in, you grant permission to Google to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth, sex and location which we will then use to form a Guardian identity. You may use your picture from Google as part of your profile. This also allows us to share your networks, user ID and any other information you choose to share according to your Google account settings. If you remove the Guardian from your Google settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a twitter log-in, we receive your avatar (the small picture that appears next to your tweets) and twitter username.

    Children’s Online Privacy Protection Act Compliance

    We are in compliance with the requirements of COPPA (Childrens Online Privacy Protection Act), we do not collect any information from anyone under 13 years of age. Our website, products and services are all directed to people who are at least 13 years old or older.

    Updating your personal information

    We offer a ‘My details’ page (also known as Dashboard), where you can update your personal information at any time, and change your marketing preferences. You can get to this page from most pages on the site – simply click on the ‘My details’ link at the top of the screen when you are signed in.

    Online Privacy Policy Only

    This online privacy policy applies only to information collected through our website and not to information collected offline.

    Your Consent

    By using our site, you consent to our privacy policy.

    Changes to our Privacy Policy

    If we decide to change our privacy policy, we will post those changes on this page.
    Save settings
    Cookies settings